Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/10/2009 G Issue 13544
الاربعاء 09 ذو القعدة 1430   العدد  13544
أنت
مَنْ يمكنه قيادة صناعة النشر السعودية؟
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

 

سوء الفَهْم الذي يجتاح العلاقة بين أطراف صناعة النشر (المؤلف والناشر والدولة)، الذي أشرت إليه في المقالة السابقة، يجب حله.. والحل لن يكون من خلال الانتظار لفارس خارق قد يأتي؛ بل بمبادرة الطرف الثالث، وهو الدولة؛ فهي الجهة القادرة على انتشال صناعة النشر السعودية من حالة الهزال التي تعيشه إلى حالة تليق بمجتمع نصف ما يُنشر بالعربية موجه له.

وقد استبعدت الطرفين الآخرين في معادلة قيام صناعة النشر السعودية، وهما المؤلف والناشر؛ لعدم قدرتهما - من وجهة نظري -؛ فالمؤلف فنان مبدع في فنه، لكنه غالباً يخفق في إدارة شؤون حياته، ويحتاج إلى مَنْ يأخذ بيده ويعتني به.. فإذا كان عاجزاً عن تنظيم حركة حياته فكيف يكون قادراً على إقامة صناعة؟.. أما الناشر فحاله ليس ببعيد عن المؤلف؛ فهو يستمتع بالقيام بدور طرزان المغامر.. ووصفت الناشر بطرزان، ولم أصفه بالمتبرع أو المتطوع؛ لأن المتبرع يتبرع بفضل ماله.. والمتطوع يتطوع من فضل وقته، أما الناشر فهو يقدم ماله وعمره. وصناعة النشر السعودية اليوم من الضعف بحيث إن الموجودين فيها يقتصرون على المغامرين الذين يعملون في النشر عشقاً لا كسباً، وهؤلاء ليسوا برجال الأعمال المحترفين المؤهلين لإقامة صناعة نشر.

صُنَّاع الثقافة في العالم ليسوا هم المبدعين من مفكرين ومثقفين وكُتّاب وشعراء وموسيقيين ورسامين.. بل هم المسؤولون الرسميون للمؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة.. فهؤلاء هم الصُنَّاع الفعليون للثقافة؛ فهم الذين يديرون الدفة ويحددون الاتجاه ويقررون السرعة ويرتقون بالنوعية ويدعمون الكفاءة ويقودون الصناعة.. أما المبدعون فهم أفراد ينشط كل منهم في نطاق مجاله ويعمل ضمن حدود إمكاناته، وهي إمكانات رقيقة حياتياً ومادياً على كل حال.

إذاً فوزارة الثقافة والإعلام هي الجهة المؤهلة لقيادة صناعة الثقافة بكل آلياتها ووسائلها من نشر وإعلان وإنتاج وتوزيع.. وهي الجهة القادرة على تنظيم ورعاية تلك الوسائل التي لا تقوم الثقافة بدونها.

وحتى نستطيع أن نحدد مدى أهمية وضرورة قيام الوزارة بهذا الدور دعونا نصف واقع حال بعض تلك الوسائل.. فدور النشر مثلاً ومثلها في ذلك وكالات الإعلان.. تعمل مثل الدكاكين أو البقالات، تبيع ب(القطاعي)، أي تقدم خدماتها بالقطعة.. فحال العاملين في مجالي النشر والإعلان اليوم أشبه بحال العمالة السائبة، كل صباح يأتي برزقه.. ليس في أيديهم عقود طويلة تتيح لهم الاستقرار ثم تمكنهم من التخطيط والبناء والنمو.. بل هم في لهاث خلف كتاب هنا وبروشور هناك وإعلان في مكان آخر.. لذلك نجد أن التوسع فيهما توسع أفقي لا عمودي.. فبزيادة الطلب يزداد العدد وتتسارع وتيرة الإنتاج كمّاً لا نوعاً.. لذلك فشركات النشر والإعلان المحلية ضعيفة الحضور شحيحة الإمكانيات صغيرة الحجم.. يدخل منها السوق كل عام العشرات ويخرج العشرات.. وتنتهي دائماً بنهاية صاحبها أو خسارته أو إحباطه.. فهي مهنة لا تورث.

من هنا يتضح أنه لا يوجد اليوم ثلاثة أطراف لإقامة صناعة سعودية للنشر.. بل يوجد طرف واحد وهو الدولة ممثلة بوزارة الثقافة والإعلام.. فهل تضطلع الوزارة بدورها؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد