الرياض - منيرة المشخص
قبل حوالي أكثر من عامين عاشت لبنان في دوامة عدم تسمية رئيس لها مما جعلها تدخل في دوامة اضطرابات سياسية وأمنية عديدة, حتى استقروا أخيراً على تسمية الرئيس العماد ميشيل سليمان رئيساً لها. ويبدو أن لبنان لا تريد أن تجعل أهلها يعيشون استقراراً أبدياً؛ فهاهي ذا تعود بهم إلى الدوامة ذاتها ولكن على مستوى سياسي آخر وهو عدم تشكيل حكومة بالرغم من فوز سعد الحريري برئاستها فمجموعة 14 من آذار لم تتفق حتى الآن على وزرائها وحزب الله لم يقبل ما أسماه الثلث المعطل, وإصرار ميشال عون على تولي حقيبة سيادية إضافة إلى صهره باسيل وتخلي جنبلاط عن الحريري الذي سرعان ما تراجع عن موقفه وأنه لم يتخل عنهم وأن تصريحه أخذ على غير مأخذه الحقيقي..
(الجزيرة) التقت بعدد من المختصين وتعرفت على تشخيصهم حول ذلك التأخير غير المبرر فقال بداية الكاتب السياسي والصحافي اللبناني أيمن جزيني: ما من موعد محدد لتشكيل الحكومة المزمعة وليس من نص دستوري ينص على ذلك، والأمور متروكة للمشاورات السياسية التي يبدو إلى الآن أنها غير ناضجة جراء قرار التعطيل الذي تنفذه قوى (8 آذار) الموالية للنظامين السوري والإيراني.
وأضاف جزيني: ما من شيء يمنع المضي قدما في تشكيل الحكومة والإعلان عنها إلا قرار النائب ميشال عون بربط الأمور بتوزير صهره جبران باسيل الذي رسب في الانتخابات النيابية في 7 حزيران - يونيو الماضي، فضلا عن إصراره على حقيبة سيادية لا تحق له. ولا يمكن لقوى الغالبية التي يمثلها الرئيس المكلف سعد الحريري إعطاء عون حقيبة أمنية سيادية فضلا عن حقيبة سيادية أخرى جراء الإقرار بها للأقلية، لأنه عندها سيصبح للأقلية حقيبتان وهو أمر خارج المنطق والتصور.
وتابع جزيني: بهذا المعنى فإن الأمور رهن بإرادة من يدير عون ويحركه، خصوصاً حزب الله الذي تنصل من التزامه ب(ضبط) عون وإيقاعه، بل حرضه على استثارة عصبيات بغيضة والمتاجرة بها، وسخر له نوابه ووسائل إعلامه.
عون وحزب الله هما المعوق الأول والأبرز في تأخير تشكيل الحكومة إضافة إلى عوامل إقليمية ودولية مرتبطة بالعلاقات العربية - العربية، والعربية - الدولية.
وتابع جزيني: أما بالنسبة إلى النائب وليد جنبلاط فيبدو أنه بنى نظرية على استنتاج شخصي جداً لم يبحثه مع أحد علماً أن منطق الأمور يقوم على استخلاص النتيجة من النظرية وليس كما فعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. وهو أعلن مراراً أنه مسكون بهواجس أمنية تنحصر في سلاح حزب الله وقيام الأخير بحرب داخلية كما سبق وفعل في 7 أيار من العام الماضي عندما اجتاح بيروت وأطراف الجبل.
وأضاف جزيني: ينبغي ألا نغفل أن جنبلاط أعلن أيضاً أنه مع الرئيس المكلف سعد الحريري وإلى جانبه في سائر القرارات، وأن خطوته الأخيرة إنما تندرج في ما سماه (خصوصية طائفته الكريمة). صحيح أن أغلب اللبنانيين لم يفهم ماهية هذه الخصوصية واستغرب استدارته بعد عدد الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن استقلال لبنان ووحدته، إلا أن اللبنانيين تجاوزوا بمعنى ما خطوته وأصبحوا في حالة تكيف مستمر مع تقلباته يميناً ويساراً.
من جانبه يرى فيصل جلول وهو كاتب سياسي لبناني مقيم في باريس أن لبنان تعيش فترة القلق السياسي ذاتها فقال: لبنان اليوم يعيش في الدوامة نفسها إذا ما قيست الدوامة بعدد الأسابيع التي استغرقتها عملية تشكيل الحكومة السابقة.
أما عن أوان التشكيل وهل يتم اليوم أو بعد أسبوع أو شهرين أو أكثر فهذا الأمر لا يمكن لأي كان أن يحدده بدقة بل إن البعض يذهب إلى التشاؤم أكثر إذ يرى أن الرئيس المكلف قد يعتذر عن المهمة الموكلة إليه وإن كنت لا أرجح مثل هذا الاحتمال. وأضاف جلول: الثابت في عملية التشكيل هو أن القانون لا يقيد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بزمن معين وبالتالي يمكن للنائب سعد الحريري أن يأخذ الوقت الذي يريد من أجل التشكيل لكن التأخير يغرق البلد بالشائعات ويبعث على عدم الاستقرار ويتيح هامشاً أكبر للمناورة أمام من يرغب الاصطياد في المياه اللبنانية العكرة ناهيك عن أنه يكشف أن اللبنانيين على انقسام لا تفيد معه التسويات الحكومية وأن الأطراف السياسية في الموالاة والمعارضة لا تملك الخبرة الكافية لإنتاج التسويات والمساومات وأنها بحاجة لوصاية خارجية. وأردف فيصل: نعم لبنان دخل الدوامة في تشكيل هذه الحكومة كما دخل الدوامة من قبل في تشكيل الحكومة السابقة التي جاء تشكيلها بعد وقت طويل من توقيع اتفاق الدوحة.
ويقول جلول: ما من شك أن انعطاف وليد جنبلاط أثناء تشكيل الحكومة كان له تأثير مهم في التأخير المستمر حتى هذه اللحظة ذلك أن رئيس كتلة تيار المستقبل بات عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أن فريقا أساسيا في الخريطة السياسية اللبنانية قد انتقل من تكتل 14 آذار إلى مسافة ليست بعيدة عن تكتل 8 آذار المعارض وبالتالي صار الحريري ملزماً بتشكيل حكومة يمكن لجنبلاط أن يمسك برقبتها فعليا انطلاقا من الموقع المتحرك الذي يحتله اليوم بين 8 و14 آذار وفي ظني أن حسبان هذا التطور المستجد ليس بالأمر اليسير.
وبين جلول: إن الضغوط الخارجية المتناقضة والمضافة إلى الضغوط المحلية أو المتقاطعة معها فضلاً عن التحول الكبير في موقف جنبلاط كل ذلك يجعل من تشكيل الحكومة في لبنان مسألة في غاية التعقيد وهو يفسر كيف ولماذا دخل لبنان في الدوامة أو في نفق التشكيل.
وحول الموضوع ذاته نجد أن للدكتور شافي الدامر رئيس قسم الدراسات العامة بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ونائب رئيس الجمعية السعودية للعلوم السياسية, وجهة نظر حول موضوع التشابه بين تأخر في اختيار الرئيس وبين التشكيل الحكومي فقال: بادئ ذي بدء لابد من التفرقة بين الفترة (أو المرحلة) الحالية في لبنان وفترة الدوامة التي حدثت قبل نحو عامين. خصوصاً وأن تلك الأزمة التي عصفت بلبنان كادت أن تعيد مساوئ الحرب الأهلية اللبنانية التي سادت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. ولا سيما وأن الخصوم قد تواجهوا في نزاع مسلح قبل التوصل لتسوية الدوحة في مايو 2008.
وأضاف الدامر: اليوم الوضع يختلف عن سابقه، ولكن يبقى أمر تشكيل الحكومة في لبنان مشكلة كبرى. فالتاريخ يشهد على أن تشكيل الحكومات اللبنانية عادة ما يستغرق فترات أطول عما هو عليه في دول العالم الأخرى. فقد استغرق الأمر إلى عدة شهور في فترات سابقة؛ والتي أشهرها فترة تشكيل حكومة رشيد كرامي في عام 1969 والذي استغرق نحو سبعة أشهر. ويواصل الدكتور شافي حديثه قائلاً: هذا بجانب الأزمات الأخرى التي مر فيها انتخاب رئيس البلاد (تاريخياً) والتي أدت في أكثر من حالة إلى إيجاد فراغ دستوري. فمسألة التأخير في إكمال تشكيل الحكومة في لبنان للأسف يعتبر أمراً طبيعياً؛ وقد يطول التشكيل الحالي لمدة تزيد عن الشهرين أو الثلاثة أشهر.
ويشير الدكتور الدامر إلى الصعوبات التي تقف أمام الحريري فقال: ما يزيد من صعوبة الوضع هو أن التسويات والظروف السياسية قد فرضت على الرئيس المكلف (سعد الحريري) بأن يشكل حكومته وفق معادلة صعبة. فالتشكيل ليس محصوراً في تكتله الفائز بالأغلبية، لكن المعطيات فرضت أن يشمل التشكيل المعارضة (الذي لم تفز بالأغلبية) وتكتل رئيس الدولة. وبين شافي إلى أن هذا دون شك أمر عسير؛ حيث إن تشكيل حكومات ائتلافية يرتضي بها جميع الأطراف أمر في غاية التعقيد؛ ولاسيما وأنه يستلزم الكثير من الوقت والمشاورات (والمفاوضات في بعض الأحيان) للتوصل لصيغة حكومة قادرة على تأدية عملها السياسي وفي نفس الوقت مرضية لكل الأطراف المعنية. وأردف: يبقى الدور في نهاية الأمر مناط بكافة الأطراف للتوصل لتشكيل جيد وفعال للحكومة وإلا سوف تكون العواقب في عدم التوصل لذالك وخيمة على مستقبل لبنان الأمني والسياسي والاقتصادي، الخ.