إن المسؤولية عن مستقبل المشروع الأوروبي، بل وقدرته على الاستمرار في البقاء، أصبحت ملقاة أكثر من أي وقت مضى على عاتق فرنسا وألمانيا. ولكن هل هناك أية بدائل للزعامة الفرنسية الألمانية للاتحاد الأوروبي؟.. إن انضمام المملكة المتحدة إليهما في نادٍ يتألف من ثلاثة أعضاء قد يشكل فكرة جيدة، ولكنه أمر غير وارد في الوقت الحاضر. لقد استبعدت بريطانيا نفسها إلى حد كبير من الاضطلاع بأي دور قيادي في أوروبا.
وجوردون براون باقٍ بالكاد في منصب رئيس الوزراء، والمحافظون الذين أصبحت عودتهم إلى السلطة في العام القادم أمراً شبه مؤكد ما زالوا على تشككهم في أوروبا كعهدهم دوماً، إن لم يكن بصورة أشد من أي وقت مضى. إن أوروبا ببساطة لا تستطيع أن تعتمد على البريطانيين، لبعض الوقت على الأقل.
أما فكرة إنشاء نادي الستة، التي طرحها نيكولا ساركوزي أثناء رئاسته، فكانت فكرة مجردة دوماً، والآن أصبح الدفاع عنها متعذراً. فنظراً لمغامرات سيلفيو بيرلسكوني الجنسية، لم يعد من الممكن أخذ إيطاليا التي يقودها بيرلسكوني على محمل الجد، في حين انسحبت أسبانيا من السعي إلى تولي دور قيادي في الاتحاد الأوروبي، ويرجع هذا إلى الظروف الاقتصادية الأليمة التي تعيشها.
أما بولندا، فرغم إزاحة الأخوين كاتزنسكي عن السلطة، فإن تركيزها المرضي على الأمن في جوارها المباشر لا يتفق مع الزعامة الأوروبية. وبما أن الدول الأعضاء الأحد والعشرين الأخرى لم تعرب قط عن إعجابها بفكرة نادي الستة في المقام الأول، فنستطيع أن نعتبر تحقيق هذه الرؤية أمراً في حكم المستحيل في الوقت الحاضر، وربما إلى الأبد.
إلى أي جهة إذن قد تتطلع أوروبا بحثاً عن الزعامة إن لم تتطلع إلى فرنسا وألمانيا؟.. إن تصويت الشعب الأيرلندي على معاهدة لشبونة بالموافقة في شهر أكتوبر - تشرين الأول المقبل سوف يكون أمراً ضرورياً ولكنه غير كافٍ لإعادة تحريك الاتحاد الأوروبي مؤسسياً.
إن الاتحاد الأوروبي يحتاج في المقام الأول إلى الإرادة السياسية والتوجيه السليم. ولن يتسنى لأي جهة غير ألمانيا وفرنسا (بالعمل معاً) أن تنقل إلى المواطنين الأوروبيين والعالم شعوراً أكيداً بأن الاتحاد الأوروبي قد أفاق أخيراً وأدرك الواقع الذي يعيشه العالم اليوم.
من المستحيل بطبيعة الحال أن نقلل من خطورة ذلك المزيج من الشكوك والتوترات والغضب الذي اتسمت به العلاقات الفرنسية الألمانية مؤخراً. فقد تحولت ألمانيا إلى ما يشبه (فرنسا الثانية) في أوروبا، في حين أصبحت فرنسا أشد فرنسية من أي وقت مضى.
وكل من البلدين لا يضع قوميته أولاً فحسب، بل إن خلافاتهما تدور حول أمور جوهرية، وأهمها كيفية التغلب على الأزمة الاقتصادية. ولكن هذين العملاقين الأوروبيين من الممكن أن يتفقا على أن يختلفا بشأن فضائل الصرامة الألمانية في التعامل مع الميزانية أو الحوافز المالية الفرنسية الطابع ما دام كل منهما ممتنعاً عن إهانة الآخر، والأهم من ذلك ما دام كل منهما حريصاً على التعويض عن خلافاته الفلسفية مع الآخر من خلال برنامج علني من المبادرات المشتركة بشأن موضوعات رئيسية.
وما دام كل منهما مقتنعاً بغياب أي بديل آخر للتعاون في إطار الاتحاد الأوروبي، وطالما ظل التعاون الأوروبي يشكل أولوية في نظر كل من الطرفين، فلن يكون من الصعب للغاية أن يعودا إلى تولي الزعامة الأوروبية.
فلا شك أن فرنسا وألمانيا باتا أقرب إلى بعضهما البعض في العديد من المواضيع الرئيسية مقارنة بما كانت عليه الحال بينهما طيلة مدة كبيرة. ومع عودة فرنسا إلى الهيكل العسكري المتكامل لمنظمة حلف شمال الأطلنطي، فقد أصبح البلدان على نفس الطول الموجي (الأطلنطي) للمرة الأولى منذ عام 1966.
ورغم التحفظات العميقة من الجانبين بشأن المهمة في أفغانستان، إلا أنهما يبحران في نفس القارب، حتى ولو كانت القوات الفرنسية هناك أكثر عُرضة للخطر من القوات الألمانية، بسبب قربها من القوات البريطانية في العمليات القتالية.
ومن المرجح أن يشارك البلدان في الصياغة التالية لمسألة تركيا: والتي ترى أن مستقبل تركيا مع أوروبا، ولكن ليس بالضرورة في الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل في المستقبل المنظور. ولكن السؤال الجوهري الذي يدور حول كيفية التعامل مع روسيا يظل يشكل القضية الأكثر إثارة للخلاف والفرقة. ذلك أن كلاً من فرنسا وألمانيا تنطلق من حساسيات مختلفة في التعامل مع هذه القضية، وكلاً من الموقفين طبيعي ومحتم، نظراً لما تعكسه هذه الخلافات من قضايا جغرافية وتاريخية.
إن ألمانيا ليست أقرب إلى روسيا جغرافياً فحسب؛ بل إنها أيضاً أكثر اعتماداً على روسيا فيما يتصل بأمن الطاقة. ولا ينبغي لفرنسا أن تخدع نفسها: فألمانيا ليست على استعداد للتحول إلى الطاقة النووية سعياً إلى تقليص اعتمادها على النفط والغاز الروسيين. ولكن يتعين على ألمانيا أيضاً أن تدرك أن التطور السلبي الذي تمر به روسيا لابد وأن يخلف عواقب لن يتمكن الألمان من الإفلات منها.
أستاذ زائر للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد
خاص «الجزيرة»