Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/10/2009 G Issue 13543
الثلاثاء 08 ذو القعدة 1430   العدد  13543
مجرد شيء
علي أحمد المضواح

 

كثير من الحوادث البسيطة تمر بنا وحولنا وتغتال الكثير من أشيائنا التي قد نجاوز اغتيالها بابتسامة عابرة لا أكثر؟

حادثة من تلك الحوادث قبل أن أخبركم بها دعوني أحدثكم عن (أم الضحية فيها) حديث الذاكرة:

بطل قصتي هو ابن تلك التي ولدت منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وما زالت تعيش معنا وبيننا في كل ركن إلى لحظتنا وما بعد لحظتنا!

هي الرمز واللغة، الدلالة والمعنى.. الوسيط والرسول، والأثر الذي لا يخشى الأفول.. الحياة الصاخبة بصمت، والطروبة بلا نغم.. المدن المكتظة بسكانها الناطقين بلغة الرمز، ذوو التاريخ السحيق مذ كانوا قبائل (مسمارية) إلى أن أضحوا مجتمعات تزخر بانحناءات الزخرف وزينته وسحر البيان وحكمته..

* * *

عم أحدثكم عنها؟ عن تاريخها الضارب في جذور الزمان؟ أم عمرها المديد امتداد الحياة؟.. عن سحرها في انعتاق الأخيلة من زنازينها؟ أم تدللها وهي تحمل ذكرياتنا المحنطة في دفاترها؟ أم عن أَلَقها حين تنساب ماءً زلالاً يطربنا خريره، وينعشنا رذاذه، ويروينا مَعِينُه؟.. أأحدثكم عن عنفوانها الصارخ في وجه الظالم؟ وسيفها الصارم في مقارعة الخصوم؟ وطوفانها الجارف لساحات الشجر والمدر؟ عن صدقها إذا استبرق؟ وحقها إذا حصحص؟ أم زيفها إذا أحوى؟ وخداعها إذا أغوى؟..

أأحدث عنها وهي التي تحدثنا وتحدث عنا؟

* * *

لن يكفيني في لملمة تاريخها وسيرتها عُمْر!..ولا للسياحة في مدنها دهر..!

لكنه استفزاز فِكْر حين رأيت ابنها يتحطم! جعلني كمن بكى لمغيب الشمس لا لمغيبها، بل لما يعنيه هذا المغيب..

كانت حادثة في أحد الشوارع لم يهتز لها أحد ممن مروا عليها!! ولأنها كانت (مجرد حادثة) والضحية (مجرد شيء) مرت عليهم كخطواتهم الرشيقة والمتسارعة في تلك الأرصفة والممرات..

إلا من قول أحدهم وهو ينظر إلى قلمي المحطم تحت عجلات السيارة: إنه مجرد قلم!

ابتسامة صفراء - كتلك التي نمهر بها فقْدَنا لما نراه شيئاً يمكن تعويضه -كانت هي ردي؛ لكن طارق هذه الأبيات جلجل في فكري الشارد حين قال قائلها:

جسَّ الطبيبُ خافقي: وقالَ لي:

هلْ ها هُنا الألمْ؟

قُلتُ له: نعَمْ

فَشقَّ بالمِشرَطِ جيبَ معطَفي

وأخرَجَ القَلَمْ!

هَزَّ الطّبيبُ رأسَهُ.. ومالَ وابتَسمْ

وَقالَ لي: ليسَ سوى قَلَمْ

فقُلتُ: لا يا سَيّدي

هذا يَدٌ.. وَفَمْ

رَصاصةٌ.. وَدَمْ

وتهمة سافرة..

وتهمة سافرة.. تمشي بلا قدم

(أحمد مطر)

* * *

أجزم أن هناك في حياتنا أو في حياة غيرنا أشياء ندرجها تحت (مجرد شيء) وهي في حقيقتها (كل شيء)..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد