في عام 1393هـ الموافق 1973م ومع البدايات الأولى لتعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أميراً لمنطقة عسير شهدت المنطقة نشاطاً غير مسبوق.. ورحلات متتابعة لكبار المسؤولين.. حيث استقبلت عدداً من الوزراء ورجال أعمال.. وأفواجاً سياحية مواطنين.. ومقيمين يعملون في الشركات والمؤسسات الخاصة في مناطق عديدة منها الرياض والمنطقة الشرقية وجدة، إضافة إلى وفود من كل المراحل الدراسية.. من أنحاء المملكة.. الجميع كان يلبي دعوة سمو الأمير الشاب.. المعين حديثاً أميراً لمنطقة عسير.. والذي أدرك أنه من المهم جدا أن يتعرف أبناء الوطن بكل شرائحه.. على هذه المنطقة البكر.. كمنطقة سياحية مهمة.. كانت ضمن عالم مجهول بل ومغمور.. كان سموه يسعى لجذب العقول.. والأفكار التي تساعده في دفع عجلة التطور.. والوقوف بجانبه لتحقيق.. أفكاره وتطلعاته.. والتي لم يكن لها حدود.. خصوصاً بعد أن وجد سموه أن (عسير) مهيأة لأن تكون المصيف الأول للمملكة بل للدول المجاورة.. لما تتمتع به من مناظر خلابة.. ومياه صافية رقراقة.. بل وعيون جذابة.
وحقيقة كتبها.. وسجلها التاريخ السياحي لسموه بأنه كان ومنذ بدايات تسلمه إمارتها.. حتى غادرها.. وهو حريص كل الحرص على أن تكون منطقة عسير بتطورها.. ومسيرة التنمية فيها تتواكب مع العالم الأول (سياحياً).... وقد كان سموه من دون مبالغة (مهندساً للسياحة في عسير).. وشهادة للتاريخ.. وللأجيال بأن سموه وفقه الله كان يعمل ويواصل الليل بالنهار من أجل خدمة عسير وأهلها.. وساعده في ذلك وكما ذكرت سابقاً أنها كانت.. وما زالت (معشوقته) وأنها.. قابلة للتطوير.. ومؤهلة.. تأهيلاً إلهياً.. بطبيعة ساحرة.. قابلة للتطوير.. والبناء ولتكون المصيف الأول لأبناء المملكة.. والدول المجاورة.
وغادرها سموه أميراً لإمارة منطقة مكة المكرمة.. وكل منهما يذرف الدمع على الآخر.. لأن سموه أحب عسير.. وأهلها.. وجبالها.. ووديانها.. وهي بادلته هذا الحب بأنها كانت ملهمته.. شعراً.. وطوعت يمناه لرسم أجمل اللوحات الفنية الجميلة.. والرائعة.. التي عكست جمال وطبيعة عسير.
وغادرها سموه بالحب والعرفان.. وسلم الأمانة لأخيه وابن عمه.. ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز الذي واصل.. ويواصل المسيرة.. بخبرة وحنكة.. وتجربة عمل ثرية تسلم الأمانة.. لتكملة المشوار.. وبذل العطاء.. لتشهد من خلاله منطقة عسير.. الكثير الكثير.. من المشاريع.. والتطوير في كل المجالات.. من أجل أن تظل عسير الوجهة الأولى للمصطاف.. والزائر.. والمقيم.
وأعود بالذكريات لتلك البدايات.. في ذاك الزمن الجميل.. بأنه كان من ضمن هذه الوفود التي وصلت إلى المنطقة وبالتحديد في عام 1393ه الموافق 1973م.. وفد طلابي من معهد العاصمة النموذجي وكان مدير المعهد حينذاك الأستاذ صالح الراشد البكر رحمه الله .. وكان من ضمن طلابه: صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز سفير خادم الحرمين الشريفين في بريطانيا وصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان الرئيس الحالي للهيئة العامة للسياحة والآثار وصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلطان أمين عام مؤسسة سلطان الخيرية.. والأمير نواف بن محمد.. وأحمد بن عبدالله بن حسن آل الشيخ رحمه الله والاخوان منديل المنديل ومحمد المسلط.. وعدد من الطلاب الذين لا تحضرني أسماؤهم.
وكنت ذاك الحين.. مسؤولاً عن مكتب صحيفة عكاظ بالمنطقة الجنوبية، حيث وجه سمو الأمير خالد الفيصل بافتتاحه ليكون أول مكتب للصحافة في المنطقة الجنوبية .. وبحكم المهنية الصحفية قمت بتغطية تلك الزيارة ومن ضمنها حديث صحفي مع مجموعة من طلاب المعهد من أصحاب السمو ومجموعة أخرى من الطلاب.. حيث تحدثوا بصوت واحد عن انطباعاتهم وسعادتهم البالغة.. بهذه الزيارة وتوقعاتهم المستقبلية للمنطقة وأنها سوف تشهد بعد تسلم الأمير خالد الفيصل إمارة عسير نهضة تنموية شاملة..
بعد تلك السنين التي مرت.. كلمح البصر.. عدت إلى أرشيف مكتبة جامعة الملك سعود للبحث وتوثيق بعض ما كتبته خلال مشواري الصحفي (المتواضع).. وعدت ومن ضمن ما حاولت العودة له ما نشر في صحيفة عكاظ قبل (38) عاماً حول تلك الزيارة وما واكبها من تغطية زيارة الوفد الطلابي.. وما تحدث به بعضهم من انطباعات كانت عامة.
إلا أن اللافت للنظر ما تحدث به صاحب السمو الملكي الأمير الطالب سلطان بن سلمان وإجابته المختلفة عن بقية زملائه.. التي لم تكن إجابة عامة عن سؤال عابر.. بقدر ما كانت إجابة الطالب الناظر بكل أمل للمستقبل الواعد.. قائلاً: (لم أكن أتوقع أن أرى في منطقة عسير ما رأيته.. أن منطقة عسير حباها الله من نعم الطبيعة.. والمناظر الخلابة.. وأنها جديرة أن تكون يوماً من الأيام مصيفاً سياحياً كبيراً.. يرتادها السياح من داخل المملكة بل ومن كل أنحاء العالم).. تلك الإجابة وبعد هذه السنين الطويلة جعلتني.. أفكر وأتساءل هل هذا الشاب اليافع.. المتعلم.. والمثقف طالب المرحلة الثانوية يقرأ المستقبل.. عندما ركز في إجابته على الجانب السياحي في عسير.. وما ينتظرها من مستقبل.. وأنها سوف تكون المصيف الأول لأبناء المملكة بل وأضاف (من كل بلدان العالم).
من وجهة نظري المتواضعة أنها كانت.. قراءة عميقة.. وثاقبة للمستقبل.. وأجزم بأن تلك اللحظة التي كان يتحدث فيها سموه لم يكن يفكر أبداً أنه سيكون بعد (38) عاماً المسؤول الأول عن السياحة في بلاده. هذه الدنيا أمرها عجيب.. عندما تتحقق مثل هذه الرؤية.. وفي الوقت نفسه ليس غريباً أن يتبوأ سموه هذه المكانة.. وهذا المكان.. لكن أن يتحدث شابٌ في مقتبل عمره.. ويركز.. على السياحة.. ونظرته المستقبلية لها فإن هذا مصدر عجبي.. وتعجبي.. أليس هذا يفتح أمامنا الأمل.. والتفاؤل.. بأن هناك أملاً قادماً ومستقبلاً زاهراً.. وواعداً.. للسياحة.. والآثار في بلادي.. وأنها سوف تكون بإذن الله في مقدمة دول العالم في هذا المجال.. وسوف تظل بمشيئته وكما هي المملكة العربية السعودية وأرض الحرمين.. ومصدر الإشعاع.. في مقدمة بلدان العالم الأول.. في هذا المجال وفى كل المجالات.. وأنا متفائل بأن الثقة بالله وبأنفسنا متأصلة.. وراسخة وأن السير في الطريق الصحيح.. وضمن تخطيط سليم.. فلا خوف ولا وجل علينا.. خصوصاً في المجال السياحي.. الذي يقوده أمير.. حيوي.. شاب.. مثل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز.. والذي تعد شهادتي في هذا الوقت عن سموه مجروحة .. وفى الوقت نفسه أعتبرُ أن فترة عملي مع سموه نقطة تحول في حياتي التي تحتاج مني للكتابة عنها إلى مجلدات لأنه بكل فخر واعتزاز.. كانت ثرية.. وغنية بالعطاء.. والتعلم.. مهنياً.. وإدارياً، إضافة إلى ذلك أن سموه فتح أمامي أبواب المساهمة في كل عمل خيري.. وباختصار كان سموه بالنسبة لي (الجامعة) التي تخرجت منها بامتياز.
سلطان بن سلمان الطالب السائح الذي تحدث في عسير قبل نحو (38) عاماً.. واليوم أصبح رئيساً عاماً لهيئة السياحة والآثار.. أراه يعمل.. ويكافح.. بل ويناضل.. من أجل أن يحقق أمل قيادته.. وأن يكون عند حسن ظن أبناء وطنه الذين يعلقون عليه بعد الله الأمل.. لأنهم يرون فيه.. (رائداً للسياحة) راسماً.. بريشة الفنان المحترف الخطوط الرئيسية للوحة جميلة ورائعة.. لسياحة راقية لوطنه.. ضمن تخطيط ومنهجية.. علمية بأعلى.. وأرقى المستويات .. والقادم القريب يبشر.. بمستقبل زاهر لسياحة الوطن التي ننشدها.. وننتظرها جميعاً بإذن الله. وبالله التوفيق.