Al Jazirah NewsPaper Monday  26/10/2009 G Issue 13542
الأثنين 07 ذو القعدة 1430   العدد  13542
الخطة الاستراتيجية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإجراءات الدعم المطلوبة
د. عبدالمجيد محمد الجلال

 

من أبرز مناهج التخطيط وأساليبه العلمية: الخطة الاستراتيجية، وهي رؤية مستقبلية تغطي حقبة زمنية قد تمتد من نحو (10) إلى (20) أو حتى (30) عاماً. وهي عبارة عن حزمة من الأهداف والسياسات والبرامج المحددة، والقضايا، على المستوى المجتمعي أو القطاعي، تستهدف إيجاد تحولات هيكلية، وتحقيق معدلات نمو إيجابية، في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، بكافة تفريعاتها الخدمية والإنتاجية والمعرفية، وبما يدفع بتواتر النقلات النوعية في مسيرة تقدم المجتمع، ويعزِّز استقراره ورخاءه.

ويفترض أن تُبنى الاستراتيجية على قاعدة من الأبحاث والدراسات ذات الصلة بالعوامل والمتغيرات الرئيسة الفاعلة، وعلاقتها مع التطورات المحتملة أو الممكنة؛ من أجل سلامة البناء العلمي والتحليلي لعناصر الاستراتيجية، كما يفترض أن تتضمن آلية للتنفيذ والمتابعة، تأخذ في الاعتبار الصعوبات المحتملة، والبدائل الملائمة، فضلاً عن عنصر الجدول الزمني المستهدف لتنفيذ بنود الاستراتيجية، ومن ثمَّ فإن إعدادها وصياغتها يستنفدان الكثير من الجهد والمال والوقت.

ويتم تنفيذ الخطة الاستراتيجية بأهدافها وسياساتها وبرامجها، من خلال منظومة مترابطة من جهود التنمية المستدامة القادرة على الوفاء باحتياجات الحاضر، ومتطلبات المستقبل، تتمثل في الخطط التنموية الفرعية المرحلية. ويفترض أن تتلاءم كل خطة مع الظروف المرحلية الخاصة بها. وتتعامل في الوقت نفسه بمرونة وكفاءة مع متغيرات المرحلة المقبلة ومستجداتها، ممهدة بذلك للخطة التي تليها. والخطة المرحلية لها فترة زمنية معينة، تُحدد في الغالب بخمس سنوات، ويطلق عليها (الخطة الخمسية).

في التجربة السعودية اتسع نطاق هذه النوعية من الخطط المستقبلية، وتنوعت موضوعاتها، وتعددت أدواتها، وجهاتها؛ إذ في فترة زمنية قياسية ظهر على السطح المحلي العشرات منها. وتكمن إشكالية البناء الاستراتيجي المحلي في افتقاده بشدة إلى آلية تُعنى بمباشرة التنفيذ وفقاً للجدول الزمني المستهدف، وتُعنى كذلك بمعالجة انحراف الخطة، وتذليل الصعوبات والمعوقات، والاهتمام بالبدائل المناسبة والملائمة، فكان من الطبيعي أن تظهر الاختناقات الكمية والنوعية، أثناء عمليات التنفيذ، التي حالت دون تحقيق بعض الأهداف المحددة، أو البرامج المستهدفة، وبما انعكس سلباً على مؤشرات الأداء والإنجاز، وتسبَّب في تفريغ جزء مهم من عناصر البناء الاستراتيجي من مضمونه وأهدافه.

ويأتي مشروع الخطة الاستراتيجية للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (حسبة) 1430 - 1450هـ (عشرون عاماً)؛ ليستهدف إحداث نقلات نوعية وهيكلية في مجال التطوير والتحديث، بمساراته، وأهدافه، ومنهجيته، ومرتكزاته، وآلياته. ويعكس إرادة الرئاسة العامة في تطوير قدراتها وإمكانياتها، وبناء قاعدة صلبة في مجال ميكنة العمل، وتوظيف الموارد، وتحقيق المزيد من الكفاءة في الأداء وأساليب العمل.

وحتى يمكن تجاوز عثرات الخطط الاستراتيجية المحلية فإن مراحل تنفيذ الخطة الاستراتيجية للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحتاج إلى تدبير حزمة متكاملة من الإجراءات والآليات التي تضفي على عمليات التنفيذ المزيد من الفاعلية والشفافية، وتقلّل نسبياً من الثغرات والمعوقات المحتملة، ومن انحراف مسارات الخطة عن التوجهات المستهدفة، بما ينعكس سلباً على مؤشرات الإنجاز، وأهداف الخطة وبرامجها.

من أبرز إجراءات وآليات الدعم المطلوبة: الدعم الإداري، ومن أبرز أدواته (القيادة الإدارية) القادرة على النهوض بالمهام والأدوار الموكولة إليها وفق أسس منهجية وفنية ومهنية. وقد أورد علماء الإدارة شروطاً ومواصفات عدة ينبغي توافرها في القيادة الإدارية، منها:

- امتلاك المهارات الفنية والإبداعية القادرة على تحديد الأهداف، ورسم السياسات، وإنجاز الأولويات.

- الإلمام بالعلاقات الإنسانية، وعلاقات العمل، وأنظمته ولوائحه، والعدالة في التعامل، والتمتع بالأخلاق العالية، والمرونة، وسعة الأفق، وتقبُّل النقد البنَّاء.

- الجرأة والشجاعة على اتخاذ القرار، وتحمّل تبعاته.

- تبني ونشر ثقافة التخطيط والتفكير الاستراتيجي، وبرامج التهيئة، وتطبيقات الحكومة الإلكترونية.

- بث روح فريق العمل الواحد في بيئة العمل، وتنمية قدرات هذا الفريق الفنية والإبداعية، ودعمه وتشجيعه، وإشراكه في المناقشة وصنع القرار.

- تقسيم العمل، وتوزيع الأدوار والمسؤوليات، حسب التخصص والخبرة والكفاءة.

- معالجة المشكلات، وتذليل العقبات، التي تواجه العاملين وبيئة العمل.

- التنسيق بين الوحدات الإدارية لتحقيق أعلى مستوى ممكن من الشفافية والفاعلية.

إنَّ القيادة الإدارية بهذه المواصفات والاشتراطات الضرورية أداة أساسية لنجاح الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في توطين ثقافة التخطيط والتطوير، وتوجيه الموارد نحو منافذ الإنفاق المنتجة، وتأسيس قاعدة صُلبة، وأرضية منبسطة، قادرة على استيعاب متطلبات الخطة الاستراتيجية، والخطط المرحلية الخمسية التي يفترض أن تنبثق عنها.

ومن إجراءات الدعم المطلوبة كذلك الدعم المالي؛ إذ من المعوقات العتيدة التي ظلت تعرقل أداء الهيئة لمهامها بصورة أفضل وأكفأ: نقص الاعتمادات والمخصصات المالية، بما حال دون الوفاء باحتياجات الهيئة من البرامج الإنشائية والتطويرية، والخدمية، والقوى البشرية المؤهلة، والتشكيلات الوظيفية، واستحداث المزيد من الوظائف والمراتب الوظيفية، وافتتاح مراكز هيئات جديدة استجابة للتوسع السكاني والعمراني المطَّرد في مدن المملكة ومحافظاتها. وحال كذلك دون تقديم حوافز مادية مناسبة، خاصة للعاملين في الميدان، نظير مخاطر العمل الميداني وتبعاته.

على أية حال، ومع بدء مرحلة جديدة من التطوير والتخطيط، عبر بوابة الخطة الاستراتيجية، وما ينبثق عنها من خطط مرحلية، وبرامج ومشاريع تطويرية، فإن الأمر يستدعي بذل أقصى جهدٍ ممكن على مستوى القيادة العليا للرئاسة، لتعزيز بنود الاعتمادات والمخصصات المالية في موازنة الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بما يسمح بتنفيذ البرامج والمشاريع المدرجة في الخطة، وفق جداولها الزمنية المحددة.

دون هذا الدعم والتعزيز قد تخضع برامج الخطة للاختزال، أو ترحيل بعضٍ منها إلى سنوات قادمة؛ ما يفقدها المصداقية، والفاعلية، والحيوية، وينعكس ذلك سلباً على مؤشرات الإنجاز، كما تتسع الهوة بين البرامج والمشاريع المستهدفة، وتلك المتحققة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد