Al Jazirah NewsPaper Monday  26/10/2009 G Issue 13542
الأثنين 07 ذو القعدة 1430   العدد  13542
كيف نجتث الإرهاب
د. عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز السبيعي

 

بعد المحاولة الإرهابية الفاشلة لاغتيال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، وهو أحد أبرز المسؤولين الأمنيين في التعامل مع (الفئة الضالة) التي كان يتعامل مع أبنائها المتراجعين بقدر كبير من التسامح.

ما من شك في أن هؤلاء الشرذمة الفاسدة يستخدمون كأداة في أيد قذرة تضمر الحقد والغل والكراهية للإسلام والمسلمين، لا سيما في هذا الوطن الغالي، نظراً لثقله العربي والإسلامي والدولي الكبير، نعم، ما من شك لدي في أن هذا الإرهاب الأعمى الحاقد -مهما كانت مبرراته الجوفاء التي يضللون بها الشاب الصغير - يستهدف اغتيال هذا الوطن، وتدمير مكتسباته، وزعزعة أمنه واستقراره، ونشر الفزع في ربوعه، وإشاعة الفساد والفوضى، وسفك الدماء وزرع الخوف في قلوب أبنائه المواطنين..!! بل يستهدف اغتيال الأمة كلها.. واغتيال الروح الإيمانية العظيمة فيها، وتشويه الصورة الإسلامية الراقية التي تبدو عليها خصوصا في هذا الشهر الفضيل..!! ويستهدف بث بذور الفتنة والهرج والمرج في المجتمعات الإسلامية حتى تسود الفوضى ويعم الدمار والخراب والجهل والتخلف..!!

إن هذا العمل الغادر الحاقد استخفاف بالدين والعقل والإنسانية، وقطع لكل وشائج الرحمة والمودة بين المسلمين، وتشويه بغيض ماكر ومنظم للإسلام ومبادئه وأخلاقه ومنظومته القيمية؛ إنه في الواقع صد عن سبيل الله، ورجوع إلى الجاهلية، حيث الغدر والخيانة والفجور واللدد في الخصومة، والوحشية البعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي الحنيف وقيمه وفضائله.

إن الجيل الحالي من الشباب والفتيات في العالم كله -والمسلمون جزء منه - يتلقى معظم مكونات شخصيته الثقافية والفكرية من الإنترنت والفضائيات والوسائط الإعلامية والتربوية الأخرى، وأصبحت هذه الأدوات في العالم العربي مصادر وحيدة - تقريباً - لاكتساب المعرفة الثقافية وتشكل الهوية وصياغة الوجدان والشخصية، وبدلا من استخدامها بذكاء وفاعلية وعمق لزيادة المعرفة وتوسيع آفاق الفكر، وزيادة التجربة الإنسانية وصقلها لدى الشاب؛ جرى استغلالها أسوأ استغلال في تمييع الشخصية وتوجيه ميول واهتمامات النشء والأجيال الجديدة نحو الجانب الغرائزي الذي لا يتجاوز الجسد!! من هنا ساد التسطيح والاختزال والتجزيء فيما يتعلق بفهم الحياة وفهم الدين وفهم الماضي والحاضر واستشراف المستقبل.

إن جيل الشباب المسلم الحالي يمتلك من الطاقات والمعرفة التقنية وأدوات الإنتاج والعمل الحضاري ما لم يتوفر للأجيال السابقة، وكان من المفترض أن هذه الإمكانات تساعده على النهوض بأمته المسلمة ثقافياً واقتصادياً وتقنياً وفي كل مجال من مجالات الحياة، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق إلى الآن..!! ولا نزال عالة على غيرنا في معظم مجالات العمل والإبداع.. فمن المسؤول عن إهدار كل هذه الطاقات وتعطيل كل هذه الإمكانات؟! ولمصلحة من يحدث ذلك؟! نعم، لمصلحة من استلاب العقول وتفريغ الأدمغة العربية الإسلامية وإقحام الأمة في هذه الدوامة من التمزق والتفرق والضياع؟!! لمصلحة من تخريب شباب الأمة الإسلامية وتمزيقهم بين التطرف والإرهاب أو دفعهم إلى الانحلال وجعلهم عبيداً لغرائزهم وشهواتهم التي ينساقون وراء إشباعها كالقطعان؟!

وبعد، ما الحل؟! وكيف نقطع دابر الإرهاب ونحمي أبناءنا من هذا الانفصام والتمزق بين التطرف والانحلال؟! قطعا لا ينكر وجود بعض الجهود الإصلاحية الفردية أو الجماعية المؤسسية هنا وهناك، لكن عطاءها يفتقر كثيراً إلى القوة والزخم اللازمين، والمطلوب ببساطة الآن هو تتبنى الجامعات إستراتيجية متكاملة بعية المدى تمتلك من الحكمة والاعتدال والوسطية، والتسامح ما يؤهلها لبناء جيل صحيح معافى من كل العلل والأمراض النفسية والاجتماعية التي نعاني منها وندفع جميعاً ثمنها.. وينبغي تفعيل هذه الاستراتيجية التربوية المتوازنة ليس على مستوى الجامعات فقط، بل على كل الأصعدة في دور الحضانة والمدارس والمساجد وكافة وسائل الإعلام.. لتكوين الشخصية السوية التي تتمتع بالصحة النفسية واللياقة الاجتماعية، والنضج العام الذي يؤهلها للحياة السعيدة الهانئة، والتواصل الإنساني المتسامح مع الآخر، مع الاعتزاز بالهوية العربية الإسلامية، وعدم تذويبها وإضاعة مقوماتها الأساسية بدعوى القضاء على التطرف أو مسايرة العولمة والكل له دور بالغ الأهمية في هذه الاستراتيجية: العلماء والتربويون والمثقفون والإعلاميون والساسة والحكام والمحكومون، والكل مسؤول ومحاسب أمام الله تعالى.

إن الواقع صعب ومليء بالتحديات والأسئلة الصعبة التي تحتاج إلى المواجهة بشكل حاسم وواضح وشجاع وبكل شفافية وجرأة - بعيداً عن العشوائية وخلط الأمور والأوراق بعضها ببعض والاصطياد في الماء العكر.. وتجيير الأزمة لمصلحة هذا أو ذاك..!! نعم، أمامنا تحديات كثيرة، وأسئلة ملحة وفي غاية الأهمية.. والمسألة بالفعل: نكون أو لا نكون..!! ويجب أن نؤكد على الإدانة الواضحة لهذا العمل الإرهابي الجبان، والرفض الصارم لكل معاني الإرهاب والعنف وكراهية الآخر وتهميشه أو تحقيره أو التحريض عليه بأي صورة كانت.. ونشدد على أن مسألة أمن واستقرار الوطن هي مسألة مصيرية، وخط أحمر لا ينبغي أبداً تجاوزه مهما كانت الظروف، ولا يجوز التعامل معها بتساهل، لأن الأمن والاستقرار هو مكسب للجميع، ليس لفرد ولا لجماعة ولا فئة وإنما مكسب لكل المواطنين والمقيمين فوق ثرى هذا الوطن الغالي، بل هو مكسب للأمة الإسلامية كلها.

إننا حين نؤكد على رفض مثل هذه الأعمال الإرهابية الجبانة تعبر عن حقنا في الحياة، وعن حبنا للحياة، وعن حبنا لديننا العظيم الذي يأمرنا بحب الحياة وتقديس حق الناس في الحياة، ويحذرنا أشد التحذير من الاعتداء على حياة أي إنسان. قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء، وقال عز اسمه: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (32) سورة المائدة.

- عميد كلية المجتمع بشقراء





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد