Al Jazirah NewsPaper Monday  26/10/2009 G Issue 13542
الأثنين 07 ذو القعدة 1430   العدد  13542
لما هو آتٍ
هكذا حدثتني الجميلة..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

حدثتني الرياض فقالت:

كبرت كثيراً في غفلة عن عيونكم، لم أعد الصغيرة بين بوابتين وهضبة,

ما عدت أدس كفوفي خلف جدران الطين، وألعق حلوى الثريد، وأركض حافية بين الشوارع الضيقة, لم تَعُد بيوتي كل الجيران يعمروها على قبس الفوانيس, لم أعد أركب ظهور الدواب وأسرع مع طي التراب وأنام عند طرق العتمة وأستيقظ عند ململة العصور، ما عدت أتسلّق الشجر وأنوف لأعلى قمة وأرى الأرض تحته أديم الدنيا يميد بأحلامي.. كبرت كبرت أنا الرياض.. واغترب أهلي واقتربوا... بين راحل في ازدياد، ونازل في اصطياد، وعابر بالبلاد، ومتعارف بالعباد، كثرت مواصلاتي وتعدّدت اتجاهاتي، وغدوت رياضاً في رياض، وتاهت أقدام الشبيبة عن مفازاتي ومنعطفاتي, ووسمت بشمالي وجنوبي وبشرقي وغربي, واصطبغ سكاني بسماتها، وركضوا لمقتنياتها، وكبرت كبرت..

في جوفي لا تزال أحلام بريئة لما ينفض عنها جفن التطلع..، وفي سمعي أصداء البئر يعاقر ماء الدلو، وفي وجداني رهبة الليل وحداء العيس، وجمر القرى، وعسيب يصطفق فيهز حسي ويستلهم صحائفي، تتداعى له ذاكرتي وتنبسط له سجلاتي, كبرت فاستحال ومض النار في شبة الحطب صهاريج تضخ الدفء والحرارة والوقيد في الطريق فينير وفي الفرن ليخبز وفي أعربة لتحمل وفي الآلة لتضخ.. وفي أطرافي ليبقى الليل بين عيني صبحاً والناس فوق ثراي ركضاً والتراب في أديمي عماراً..

حدثتني الرياض فقالت: كبرت كبرت، وفي يدي فنجان القهوة تيارا,

وسنابل القمح مدارا، وطين الأرض عمادا، وباب الدار مدى..

وأنا أستمع للرياض، كنت على شفا وادي حنيفة أستقرئ الماء...




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد