(1)
تطوير الخطاب الديني!
* يساورني شيء من القلق أحياناً حين أقرأ أو أسمع أحاديث تنتقد ما يعرف ب(تطوير الخطاب الديني)، بعضها يسوق المتلقي إلى مفازة من سوء الفهم، والتشكيك في مقاصد ونوايا أصحاب ذلك الخطاب، خاصة حين ينحو النقد له أحياناً منحى إقصائياً متشدداً لا يرى في الكون مكاناً إلا له، ولا حجة إلا معه، ولا يقيناً إلا به!
***
وأحسب أن حديث التطوير للخطاب الديني مسألة يغشاها أحياناً شيء من الخلط وشيء من (سوء الفهم)، خاصة حين يفسر بأنه في عمومياته وأطروحاته (دعوة) ظاهرة أو مستترة ضد ثوابت الدين الحنيف، وهذا أمر ينبغي أن ينكره، بل ويستنكره كل مؤمن بالله، حريص على إيمانه، ومسلم بثوابته، ومن ثم، فإن التطوير المقصود في مدلوله (الوسطي) يعني التماس سبل أكثر إيجابية وأقل تشدداً في تفسير وتأويل النصوص على نحو يستقطب قلوب الناس ولا ينفرهم، ويوحدهم ولا يفرقهم، وينير سبلهم وعياً وفهماً، وهذا يصب في قالب ما يعرف ب(الوسطية) المحمودة في فهم الدين الحنيف.
***
* وبمفهوم آخر، التطوير في الخطاب الديني، هو في أدق معانيه التطبيقية محاولة إزالة فتنة (الخلط) في الذهن المعاصر، وخاصة لدى الجيل الشاب، بين ثوابت العقيدة السمحة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وبين مخرجات هذا العصر، فيما يتعلق بلوازم الحياة، المادي منها والمعنوي.
***
* وبالتالي، إذا كنا نؤمن بأن ديننا الحنيف (وصفة) قويمة للحياة والأحياء، فإننا مطالبون، تطبيقاً، بأن نتعامل مع مخرجات هذا العصر بعلم وحكمة، فنذر جانباً ما يتعارض تعارضاً صريحاً مع ثوابت ديننا المؤصلة في كتاب الله وسنة نبيه المصطفى، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وفيما عدا ذلك، نأخذ من مخرجات عصرنا بقدر حاجتنا وما يتفق مع لوازم حياتنا ومعاشنا، وضرورات بقائنا! لأنه ليس بين ديننا الحنيف ومستجدات العصر (خصومة) إلا فيما يتعارض مع ثوابت العقيدة ورواسيها.
***
(2)
وقفة تأمل للجيل الشاب!
* حين أتحدث عن زهد العيش ونكده عبر محطات تحتضنها بعض شطآن حياتي، فإنما أفعل ذلك لأدلل على أن (غرم) العيش في مرحلة مبكرة من العمر، قد يمنح صاحبه في مرحلة لاحقة مشبعة بالإنجاز شعوراً بالثقة المؤطرة بالتفاؤل، ويهبه نفحة من (التوازن) النفسي والوجداني بين ما يريد وما يمكن أن يتحقق له في حياته.
* وبمعنى أدق، لست هنا (داعية) للزهد في رغد العيش ولا المزهّد فيه، ولست بالقائل غلواً: إن من ينعم برغد العيش في بدايته لا يستعذب النجاح بعد الفشل، ولا نعيم العيش بعد الندرة، لكن الحقيقة التي أؤمن بها هي أن عسر العيش في بداية مشوار النمو الحياتي.. يمنح المرء السوي شفافية في التعامل مع نفسه ومع سواه، وقدرة على اكتشاف مواهبه وطاقاته والفرص المتاحة له، محاولاً بذلك تجاوز هذه المرحلة إلى مستوى من اليسر، وإذا كانت المواقف في الحياة تعرف بضدها، فإن المرء لا يعرف نشوة النجاح إلا بعد مرارة الفشل، ولا رغد العيش إلا بعد ندرته!
***
* ولذا، أتمنى على جيلنا الشاب الطاغي حضوراً بيننا ألا يقسوَ على نفسه أو يظلمها استسلاماً لنشوة الرفاهية ومباهجها؛ لأنه قد يشهد يوماً غياب ما ألفه من رغد، ثم لا يكون له رصيد من التجربة والمعاناة يعينانه على تلمُّس باب الغلبة على تحديات يومه الجديد.