قرأت كثيراً عن كلمة (اختلاف) أو (خلاف) و(المخالفة) و(المختلفون) ووجدت أن هذه الكلمة محمودة في بعض الأمور.. مذمومة في أمور أخرى..
فالشريعة الإسلامية وعلماء الفقه بالذات.. أكثر من أورد هذه الكلمات في سياق المدح والثناء.. والخلاف رحمة ورأفة بالناس.. والإسلام احترم الرأي الآخر ما لم يمس الثوابت والعقائد أو يسيء لشيء من الدين وما هو معلوم من الدين لكن الإسلام استوعب المخالف وحاوره وناقشه ووضع الحقيقة أمامه بكل وضوح.. فلا مجال لغير الحق والحقيقة..
** وهناك شيء آخر اسمه (المجادلة) و(الجدل) وقد ذمه أكثر الفقهاء واعتبروه شيئاً آخر غير الحوار..
** أما لفظة حوار.. فقد وردت في القرآن الكريم (تحاوركما) والحوار شيء مطلوب وهو لغة العصر ولكن بضوابطه.
** وقد وجدت في المكتبات كتباً وكتيبات تتحدث عن (الحوار) والخلاف والاختلاف.. ولكنك تخرج منها كلها إلى أن الحوار والخلاف وطرح وجهات النظر.. شيء مفيد ما لم يتجاوز مسألة الحوار إلى جوانب سلبية.. مثل أن يشطح الحوار إلى أمور شخصية أو استخدام مفردات وعبارات جارحة أو يصاحبه استهداف أو أهواء.. أو يكون مجرد انتصار للرأي أو عصبية وتعصب للرأي.. عندها.. يصبح الحوار ليس مجرد عقيم.. بل ضار ويفضي إلى ضرر.
** ومن الحوار أو الخلاف السلبي.. هو أن يختلف أصحاب الشأن حول مشروع مهم أو إنجاز مطلوب.. فيترتب على هذا الخلاف أو الحوار حوله.. إضعافه أو إفساد هذا المشروع.
** ويذكرني ذلك - كمثال بسيط - خلافات بعض أهالي القرى والمدن الصغيرة على المشاريع التي سيتم تنفيذها وطرحها للمناقصة.. إذ يختلفون حول المكان أو حول جوانب أخرى في المشروع.. فيتم إلغاء المشروع تماماً أو يتوقف العمل به فتُحرم القرية أو المدينة من مشروع مهم للغاية وينحرم الأهالي من خدماته.. وهكذا تتوقف المشاريع وتتعطل ويتضرر المواطن بسبب خلافات يسوقها الجهل والغباء أو سوء النية والقصد..
** الخلاف المحمود معروف.. وقد تناوله العلماء والخبراء والمختصون..
** والخلاف المحمود يثري وينفع ويفيد.. وتلاقح الآراء والحوارات النافعة الجادة.. تبني وتنفع وتفيد..
** ولكن.. ماذا عن الخلافات المذمومة التي يسوقها الجهل أو الأهواء الشخصية أو لمجرد فرض وجهة نظر؟
** كم من معاملة أشغلت الجهات المختصة وأشغلت وعطلت جهات عن أداء خدماتها وواجبها بسبب خلافات يسوقها الجهل والأهواء؟
** وكم من مشروع عطل أو خضع لمحاولة لتعطيله بسبب هذه الآراء الشاطحة التي تستهدف تقويض المشروع؟
** الخلاف مطلوب.. والخلاف والحوار دليل نضج ومعيار نجاح.. ويقود دوماً إلى الأفضل ولكن.. ما هو هذا الخلاف.. وما هو الحوار المطلوب وما هي معاييره؟
** وما هو الأكثر لدينا.. الخلافات الإيجابية أم الخلافات السلبية؟
** وقد كنت أتابع - أحياناً - ما يطرح حول بعض المشاريع المهمة.. وأصل إلى نتيجة.. إلى أن تلك الآراء.. تسعى للهدم والتقويض والإفساد وليس للمصلحة.
** مشاريع رائعة.. ومشاريع يحتاجها الوطن.. ومشاريع تُعد حلماً لكل مواطن.. تخضع للمزايدة والآراء الشاطحة في محاولة لتقويضها وهدمها وحرمان الوطن منها.
** تقرأ وسائل الإعلام وبالذات الإعلام الإلكتروني وتجده مليئا بمثل هذه الآراء الهادمة المفسدة بل المدمرة أحياناً.. ومع ذلك.. فله تأثيره وحضور لا يمكن إنكاره وسيتبعه الإعلام الفضائي.. إذ من الملاحظ اليوم تكاثر المحطات الفضائية بشكل لافت للنظر.. حيث أصبح لكل خمسة أشخاص تقريباً محطة أو مشروع محطة تحت الدراسة.. وهذه المحطات أو أغلبها على الأصح.. مليئة بمثل هذه الآراء التي تهدم وتفسد أكثر مما تفيد.. والمشكلة.. إنها كلها تتناول قضايانا المحلية وأمورنا المحلية..
** فهل يمكن أن نتحكم في الإعلام الفضائي ونقضي على أضراره؟
** وهل يمكن أن نتحكم في الإعلام الإلكتروني وهو أخطر؟!
** مشكلتنا.. أننا لم نتعود على الحوار ولا نملك أساليبه.. وبالتالي.. نحن نستخدمه استخداما خاطئا.. استخداما ضارا.
** فهل نحتاج إلى معاهد.. أو على الأقل.. دورات تُعلمنا الحوار النافع.. وتُحذرنا من الحوار الضار؟