«الجزيرة» - الرياض
شكلت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي عصفت بالعالم خلال عام 2008-2009 اختباراً قاسياً للاقتصادات الناشئة وأسواقها المالية؛ ووفقاً لتقرير صدر أمس فقد قدر مصرف (يو بي إس) السويسري أن رأسمالاً يصل إلى 500 مليار دولار أمريكي قد غادر الأسواق الناشئة خلال الفترة الواقعة بين سبتمبر 2008 ومارس 2009، وهو ما يعادل نصف صافي التدفقات النقدية للسنوات الخمس ونصف السنة الماضية.
ويبدو أن الوضع اليوم يشهد موجة مد جديدة مع تجدد شهية المستثمرين للإقدام على المخاطرة، الأمر الذي أدى إلى تركز التدفقات النقدية خلال النصف الأول من عام 2009 على صناديق الأسواق الناشئة المسعرة بالدولار الأمريكي.
وتكشف الأرقام التي أصدرها مصرف (إتش إس بي سي) أن الأسبوع الأخير من شهر يوليو لوحده قد شهد تدفق سيولة إجمالية بقيمة 462 مليون دولار إلى صناديق السندات في الأسواق الناشئة.
ووفقاً لمؤسسة (جي بيه مورجان) المالية، فإن الأسواق الناشئة لسندات الدين بالدولار الأمريكي قد سجلت ارتفاعاً بنسبة 20% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، مقارنةً بعائد قيمته -4% لسندات الحكومة الأمريكية.
وسلطت الأزمة المالية الأخيرة الضوء على الاعتماد المتبادل للدول المتطورة والنامية في اقتصاد عالمي واحد. وقد أبدى أعضاء اجتماع قمة العشرين، التي عقدت في شهر أبريل الماضي، دعماً كبيراً للأسواق الناشئة عبر زيادة موارد صندوق النقد الدولي من 250 مليار دولار إلى ما يقارب 1 تريليون دولار على هيئة صناديق جديدة، بالإضافة إلى استحداث حقوق السحب الخاصة.
وقد ساهم الإعلان عن هذه الصناديق، التي تعادل قيمتها أربعة أضعاف القيمة السوقية لمؤشر الدين بالدولار الأمريكي للأسواق الناشئة، في إرسال إشارة واضحة إلى المستثمرين مفادها أن الدول المتطورة والمنظمات الدولية ترى في بلدان الأسواق الناشئة عاملاً جوهرياً لسلامة الاقتصاد العالمي.
ومنذ الانهيارات التي تعرضت لها العملة نتيجة التضخم في دول أمريكا اللاتينية خلال الفترة 1980-1990، ولاحقاً الأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينات، تبنت الدول الناشئة إلى حد كبير سياسة مالية ونقدية أكثر استدامة ساهمت في تحسين الموازين التجارية، وخفض مستويات الدين الشخصي والحكومي، والتشبث بسياسات اقتصادية أكثر تشدداً أدت في نهاية المطاف إلى تعزيز الثقة بالإدارة المالية لهذه الاقتصادات. وبدورها، ساهمت هذه الأسس الاقتصادية الجديدة، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية الأساسية، في تمكين الاقتصادات الناشئة من إظهار درجة من المرونة النسبية خلال الركود العالمي.
وبطبيعة الحال، لم تكن جميع الأسواق الناشئة تلتزم الحذر في هذا الشأن، فقد تحملت بعض بلدان أوروبا الشرقية تحديداً العديد من فوائض الاقتصادات المتطورة، مما تركها رهينة عجز هائل في الحساب الجاري إلى جانب مستويات مرتفعة من الدين الاستهلاكي.
وقد أثبتت هذه البلدان أنها أكثر عرضة للانكماش الهائل في الطلب من جاراتها في أوروبا الغربية التي بقيت تقاوم تداعيات الركود.
ومع ذلك، لم تصل تداعيات الأزمة في هذه البلدان الأوروبية الشرقية إلى حدود كارثية ولا يزال الدعم الواسع للبلدان المتقدمة والمساعدة الخاصة لصندوق النقد الدولي يسهم في طمأنة المستثمرين بأن الإعسار يبقى مجرد مخاطرة بعيدة الاحتمال. وتكشف بعض الأسواق الناشئة الأخرى في العالم عن بوادر تحسن ملحوظ، ارتفعت خلالها مستويات الطلب والتصدير المحلية على نحو مفاجئ في النصف الأول من العام الحالي، وبدت علامات التعافي التي لاحت أوائل عام 2009 مبشرةً إلى حد ما. كما ساهم الانتعاش الأخير الذي شهده النشاط الاقتصادي للصين في تحقيق تحسن كبير في أسعار السلع، مما ساعد في تحسين موازين الحسابات الجارية لبعض الاقتصادات الناشئة المصدرة لسلع معينة، لاسيما في منطقة أمريكا اللاتينية.