وردني الكثير من التساؤلات من الزملاء وعبر البريد الإلكتروني، يتساءلون عن كيفية بناء المستقبل؟ وهل المستقبل بأيدينا حتى يمكن أن نتحكم به وفق ما نريد؟ أليس المستقبل بيد الله سبحانه وتعالى، والحديث عنه نوع من التنجيم، والعرافة المنهي عنها.
لذا أجدني مضطراً للتعريج على مقالي السابق لتوضيح مفهوم إدارة المستقبل والمستقبليات، وتأجيل الحديث عن طرق و أدوات إدارة المستقبل إلى مقال لاحق بإذن الله.
أقول: نعم المستقبل بيد الله سبحانه وتعالى، وحتى قراراتنا التي تشكل وتحدد صورة المستقبل بيد الله سبحانه وتعالى، فمستقبلنا وحاضرنا بيد الله عز وجل، بل إن الإسلام أمرنا بالنظر إلى المستقبل وأخبرنا عن الكثير من الأمور والأحداث المستقبلية. كما أنه ليس نوعاً من التنجيم والعرافة وقراءة الطالع وغيرها من أمور الشعوذة والخزعبلات، فالإسلام له رأي واضح وقاطع في هذه الأمور، فهي من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ...}.
إدارة المستقبل والمستقبليات عبارة عن جهد علمي منطقي عقلاني للتعرف على ملامح المستقبل والمساهمة في صنعه، نابعة من نواميس الكون وأحكامه، ويتماشى معها ولا يتعارض مع قواعدها، بالإضافة إلى أن عملية التعرف والتوقع ليست قطعية وحاسمة، بل تتوقف على أدوات وطرق البحث ومستوى المعلومات المتوافرة، بعكس تلك الخزعبلات التي ليس لها أساس ترتكز عليه؛ فهي تعتمد على الفراسة والذكاء، بالإضافة إلى الخدع والحيل.
ولتوضيح أكثر الفرق بين الأمور الغيبية والتوقعات العلمية، توقعات الطقس ونزول الأمطار، فتوقعنا ليس نوعاً من الأمور الغيبية بل هو أمر طبيعي مبني على حسابات فلكية ومناخية، وربما تصيب تلك التوقعات أو تخطيء، ويعتمد ذلك على كفاءة الأجهزة والأدوات المستخدمة وعوامل أخرى. ومثال آخر وقريب إلينا، عند سؤالنا لأبنائنا عن أمنياتهم المستقبلية، فالجواب إما طيارا أو مهندسا أو طبيبا أو غيره، فردنا المنطقي على تلك الأمنيات المستقبلية ونصيحتنا لهم بالجد والمثابرة؛ لان الوصول إلى المستقبل المرغوب يكون من خلال قرارات اليوم، فيبدأ الابن بالجد والمثابرة ودخول القسم العلمي، ثم دخول كلية الهندسة والتخرج مهندساً، ألم تكن تلك أمنية مستقبلية، وفي علم الغيب، ألم يصنعها ذلك الابن من خلال قراراته التي اتخذها في الحاضر، ولكن مع هذا ربما تحدث بعض الظروف التي قد تعيق تحقيق تلك الأمنية وصنع ذلك المستقبل، ولكن تبقى هناك نسبة لحدوث ذلك المستقبل، تزيد وتنقص تلك النسبة بناء على عدة عوامل مثل طبيعة الطالب، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية، وتوافر المعلومات الضرورية وغيرها.
إذاً فالجزء الأكبر من المستقبل ما هو إلا نتيجة قرارات وأحداث الحاضر، فالواجب علينا كأشخاص، أو كمنظمات، أو حتى كدول الاهتمام بالمستقبل وإدارته، وتوقع أحداثه ووضع القرارات المناسبة له، بل المحاولة لصنعه أو المساهمة في ذلك، بدلاً من الوقوع في أسر المفاجآت والانسياق إلى ردود الفعل لتلك الأحداث، فنحن لدينا أسس سليمة ومصادر قوية تتمثل بالكتاب والسنة، بالإضافة إلى ما يوجد من دراسات ونظريات حديثة التي تقودنا إلى تنبؤات علمية دقيقة أكثر من غيرنا، وأخيرا فالتطلع للمستقبل أمر ملح وضروري كما بيناه في المقال السابق، فإذا لم نصنع مستقبلنا نحن، صنعه الآخرون لنا، وشكلوه ليتناسب مع مستقبلهم وأهدافهم.
......ردود ......
تساءل بعض القراء عن أشهر المراكز المتخصصة في إدارة وعلم المستقبليات ومخرجاتها، خاصة المنشورة عبر الإنترنت.. هناك الكثير، ولكن أغلبها إن لم يكن جميعها بلغات غير عربية، والأكثرية منها باللغة الإنجليزية، ولكن مع تطور التقنيات الحديثة ومواقع الترجمة الفورية فبالإمكان الاستفادة منها. من أهم تلك النشرات الصادرة هي نشرة مستجدات المستقبلي (Futurist Update)، التي أطلقتها جمعية المستقبل العالمية سنة 2000، ونشرة(Tomorrow) التي تصدر من السويد، ونشرة(Foresight) التي تصدر من بريطانيا، و (Futuribles) التي تنشر من فرنسا، ونشرات الاستشراف التكنولوجي، وأبحاث المستقبل الربعية، واستراتيجيات النمو التي تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك الكثير، ولكن تبقى هذه الأشهر والأكثر خبرة وإثراء في هذا المجال.
alaidda@hotmail.com