Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/10/2009 G Issue 13540
السبت 05 ذو القعدة 1430   العدد  13540
خبرات المتقاعدين.. التجربة التنموية المهدرة
د. محمد بن سعود البشر

 

في المجتمعات المتقدمة يُعد (القطاع الثالث) أهم القطاعات الثلاثة الرئيسة التي تسهم في رقي الدولة ونهضتها. فالقطاعان الحكومي والخاص هما المصدران الأساسيان لهذا (القطاع الثالث)، وهما الرافدان في بنائه وتهيئته لأن يقوم بدوره الفاعل والمؤثر في المجتمع.

(القطاع الثالث) يعني أن هناك قطاعاً آخر (غير الحكومي والخاص) ينشأ ويتأسس في المجتمع بمبادرات من أهل الخبرة والتجربة، اللذين أفرزهما القطاعان الحكومي والخاص، ويعمل تحت مظلة مؤسسية تمنح نشاطاته وبرامجه الصفة القانونية، وتكون في الغالب مؤسسات أو منظمات غير ربحية Non - profit organizations، يجتمع أعضاؤها ليسهموا بما لديهم من مؤهلات وخبرات وتجارب إدارية أو علمية أو مهنية متخصصة بهدف استثمار هذه القدرات وتوظيفها لخدمة المجتمع في أي من مجالاته المختلفة.

في المجتمعات المتقدمة يلاحظ أن هذا القطاع يؤثر كثيراً في المسيرة التنموية لها، بما يقدمه أعضاؤه والمنتمون إليه من تجارب مكتسبة أثناء عملهم الحكومي أو الخاص، وبعد تفرغهم من هذا العمل (يتطوعون) فيما تبقى من أعمارهم ليتركوا أثراً في مجتمعهم قبل رحيلهم. ومن الملاحظ أيضاً أن هذا القطاع (بعضهم يطلق عليه القطاع الخيري نسبة إلى تطوع أعضائه بالعمل ورغبتهم في الإنتاج دون عائد مادي منتظر) يحظى بدعم منقطع النظير، إما دعم حكومي مدرك لأهميته، وإما دعم من التجار ورجال الأعمال الذين - بدورهم - مدركون لما يمكن أن يقدمه هذا القطاع للمجتمع وأفراده، وهي درجة عالية من الوعي بمفهوم الدعم المالي لمجالات التطوع المختلفة التي لا تقتصر على الغوث الإنساني فقط، بل تتجاوزه إلى مجالات التنمية المختلفة، وبخاصة في مجالات العلم والفكر والإعلام والتربية.

مبدأ هذا القطاع والرغبة بالعمل فيه موجودة لدى شريحة كبيرة من المؤهلين له في مجتمعنا، بيد أن التشريعات التي تنظم عمل هذا القطاع وتمنحه الصفة القانونية هي ما نحتاج إليه في هذه المرحلة التي نعيشها. في كل عام يتقاعد المئات من أهل الخبرة والكفاءات الإدارية والعلمية والمهنية المتخصصة، وتبقى تجاربها الثرة رهينة مبادرات فردية غير مقننة، فضلاً عن أن تكون مدعومة مالياً من الحكومة أو من رجال الأعمال.

من المتقاعدين من أمضى عشرات السنين في أجهزة الدولة المختلفة، وكان في يوم من الأيام وزيراً أو وكيل وزارة، أو أستاذاً في جامعة، أو ضابطاً عسكرياً كبيراً، أو مهندساً متمكناً، أو طبيباً ماهراً، أو مهنياً حاذقاً، أو غير ذلك ينتهي به المطاف في 1-7 من كل عام وهو في أوج عطائه، فأين يذهب ؟ وكيف يُستفاد منه في ظل غياب تشريعات ونظم لما يسمى ب(مؤسسات المجتمع المدني) التي تمثل اليوم صدارة المؤسسات المؤثرة في المجتمعات المتقدمة؟

ربما تكون هناك الآن تشريعات لمثل هذا تُدرس في الجهات ذات العلاقة كمجلس الشورى أو وزارة الشؤون الاجتماعية أو غيرهما، وهذا مؤشر يبعث على التفاؤل، لكن سن مثل هذه التشريعات والنظم، واعتمادها، وجعلها حيز التنفيذ هو ما نحتاج إليه. فالتنمية هي (في بعض مفاهيمها) الاستغلال الأمثل للوقت وحسن توظيفه، وتأخر مثل هذه التشريعات يمثل عائقاً تنموياً لا يمكن تجاهله.

باعث هذه المقالة مجلس نخبوي ضم مجموعة من القيادات التربوية السابقة يحدوهم الأمل في أن يقدموا لهذا الوطن خلاصة آرائهم وتجاربهم، ويبحثون عن مظلة قانونية يبدعون من خلالها.. فمن يمنحهم هذه المظلة القانونية ليخدموا وطنهم؟!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد