نحن نرحل من هذه الدنيا رويداً رويداً برحيل الغالين علينا من آباء وأمهات وإخوان وأخوات وأحباء.
|
عندما تعيش لحظات الفراق لغال أو غالية عليك يستوطنك إحساس (باليتم).. يتم المشاعر والأحاسيس.
|
(غاب تحت الثرى أحباء قلبي
|
فالثرى وحده الحبيب الخليل)
|
تملكني هذا الإحساس من الشجن وأنا أودِّع أختي الكبيرة الغالية (نورة) تغمدها الله بواسع رحمته!!.
|
هذه المرأة كانت مع بعض نساء ورجال في هذه الدنيا (استثناءً) جاؤوا إلى هذه الحياة وقلوبهم معلقة بالآخرة.. وقد كانت (الراحلة) واحدة من هؤلاء!!.
|
|
إن كل مَن عرفها أدرك هذه الحقيقة: الناس يطمعون بمتعة الدنيا وهي تتطلع إلى جنة المأوى، كانت قرة عينها (بالصلاة) ليلاً ونهاراً، وحتى، وهي على فراش المرض، لم يكن يعنيها إلا أداء الصلاة حتى أخذتها الغيبوبة رحمها الله.
|
لم تكن تفرح بشيء من زهرة الحياة الدنيا.. ولم تكن تغادر بيتها من أجل فرح أو استمتاع أو سوق.. كان زهدها عجيباً شمل كل المظاهر من ملبس ومطعم وسفر.. سعادتها إرضاء ربها.. كان أمامها قول بارئها الذي عادت إليه نفسها مطمئنة {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} - (سورة يونس - آية 58). هذا هو الفرح الحقيقي الباقي.
|
كانت (التقوى) عنوان حياتها ومفتاح شخصيتها والموجه لكل تصرفاتها.. وأنا لا أتحدث عن محاسنها؛ فكل حياتها - بفضل الله - محاسن: زهداً وورعاً وتقوى وإيماناً وعبادة.. لقد جعلت الدنيا خلفها والآخرة أمامها!!.
|
|
لقد عاشت أرملة صالحة عابدة وكل مَن يعرفها يعرف هذه الحقيقة المضيئة في حياتها وبعد رحيلها - إن شاء الله -، وقد ربت ابنتها على الخير والصلاح؛ فكانت مثلها.. كانت أختي لا تحزن إلا على رحيل الأخيار.. بل كانت تحزن عليهم حتى إذا ما سافروا عن مدينتها.. كانت عندما يسافر فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - من عنيزة إلى الرياض أو مكة المكرمة تحسّ بحزن بداخلها وتقول كما تسمِّيه - رحمهما الله جميعاً -: (غاب سراج عنيزة)!!.
|
|
أمر آخر أسأل الله أن يرفعها به إلى درجات العليين بالجنة ألا وهو برها بوالدها - رحمهما الله - براً يندر مثيله، لقد عاشت أرملة ما يفوق خمسين عاماً من أجل رعايتها للوالد والبر به وخدمته والسهر على راحته، حتى أنها لا تسافر أو تذهب لأي مكان من أجله.. وبحمد الله أثابها الله بدنياها قبل أخراها. فقد برت بها ابنتها الوحيدة براً هو الآخر يندر مثيله، حيث لم يفترقا طوال عمرها حتى بعد زواج ابنتها، كان بيتاهما متجاورين، وكانت الابنة الحانية على أمها، المراعية لكل احتياجاتها؛ فلم تكن تحضر أي مناسبة من أجل ألا تتركها وحدها.. ورفضت أن تستقدم (شغالة) بعد كبر أمها لكي تساعدها على رعايتها؛ لقد رغبت أن تتولى هي وحدها شأنها ورعايتها..
|
|
اسأل الله أن يغفر لأختي وأن يجعل مسكنها الفردوس الأعلى من الجنة وأن يجعل ما أصابها تكفيراً لذنوبها ورافعاً لمنزلتها في جنة المأوى.
|
|
|
* لكل الأحبة من أمراء وعلماء ووزراء وأقارب وأصدقاء ومحبين.. أولئك الذين غمروني وإخوتي وأسرتي بجميل مواساتهم، وصادق دعواتهم وفيض مشاعرهم؛ فلهم وافر الامتنان وخالص الدعاء، ولا فجعهم الله في غال أو غالية عليهم، وجمعنا وإياهم وكل أحبتنا الراحلين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
|
|
|
|
(إليك، عظيم العفو أشكو مواجعي |
بدمع على مرأى الخلائق لا يجري |
ترحّل إخواني.. فأصبحت بعدهم |
غريباً يتيم الروح والقلب والفكر |
لك الحمد.. والأحباب في كل سامر |
لك الحمد.. والأحباب في وحشة القبر) |
|