ربما لكوني أعمل في وزارة التربية والتعليم، فكل عام مع مطالع العام الدراسي، تطوقني وتمرر إلي العديد من الطلبات من بعض إخواننا العرب المقيمين بخصوص طلب إيجاد مقعد لبناتهن في صفوف التعليم العام بعد أن رفضت المدارس استقبالهن لشدة الازدحام.
وكوني لا أستطيع -على الغالب- أن أقدم حلولا أو أن أخوض غمار وساطات قوية لهن، لكن هذا لا يمنعني من تقصّي تفاصيل مشكلتهن، والاطلاع على الحسرة والحيرة لدى أولياء الأمور، وتلمّس مدى المعاناة التي تعانيها عائلة عربية بدخل (مستور) لم تستطع أن تجد حيزا لابنتها المتفوقة أصبح أقصى طموحها مقعداً في صف مدرسي.
ويبدو أن هذه المشكلة تتفاقم عاما إثر الآخر قياسا على تزايد عدد الطلبات كل عام، وبالشكل الذي يتطلب التفاتا حقيقيا لها، فمدارسنا، من ناحية تعاني من كثافة طلابية كبيرة وازدحام فصول بشكل يمنعها من ممارسة حق الضيافة تجاه إخواننا العرب واستقبال الجميع ضمن مقعد هيّأته الحكومة لطالبة سعودية وفقا لإحصائيات وأرقام وأعداد المواليد.
(لاسيما أننا جميعنا نعرف بأن ازدحام الفصول يؤثر على العملية التعليمية والتربوية بصورة كبيرة ويسلب كل طالبة حقها في الحيز المخصص لها وفق معايير الجودة النوعية العالمية للصفوف).
ولكن هذا الأمر لا يمنع محاولة الالتفات إلى هذه القضية، ومقاربتها من خلال بعض الحلول ذات الصيغة الإنسانية والبعد العربي أيضا، ولا زالت ذاكراتنا تحمل الكثير من الذكريات الطيبة الرطبة عن طالبات عرب جاورننا في مقاعد الدراسة، وتشاركنا وإياهن العديد من التجارب الغنية المثرية.
فنحن، من ناحية لا نستطيع أن نحيل جميع الطالبات العربيات إلى المدارس الأهلية، ربما لأن هذا الحل غير معقول على المستوى المادي، أيضا في حال تواجدهن في مدارس أهلية خاصة قد تصنع منها نوعا من (الكانتونات) والجزر المعزولة عن المجتمع؛ مما له انعكاساته السلبية الانعزالية عن ثقافة المجتمع على المدى الطويل، كما أننا أيضا لا نود أن نحرم مدارسنا التنوع والثراء المعرفي الذي من الممكن أن يقدمه وجود طالبة من بيئة غريبة نوعا ما، فهذا التواجد يخلق نوعاً من الألفة مع الغرباء وكسر حواجز الفوارق والتحاور مع المختلف وتقبل تباين الثقافات.
الذي أذكره في هذا السياق هو نظام يمنح10% من مقاعد أي مدرسة للطالبات الأجنبيات، على أن تكون الأولوية للفلسطينيات، ولا أدري عن مدى تطبيق أو سريان هذا النظام الآن ؟!
لكن في الوقت الحاضر أعتقد بأن وجود نظام (لتأمين التعليم) يشبه أو يوازي ذلك المقدم للتأمين الصحي، من الممكن أن يقدم الكثير من الانفراجات للقضية، فهو من ناحية قد يغطي تكاليف المقعد الذي تشغله الطالبة العربية، ومن ناحية أخرى يبقيها في مدارس التعليم العام بجوار أخواتها من المواطنات، ليخضن سويا غمار تجربة ثرية مشتركة.
قد لا نكون البلد الوحيد في العالم الذي لديه مشكلة كثافة مقيمين بجميع متطلباتهم واحتياجاتهم وأيضا خبراتهم ومجهوداتهم وأعمارهم التي تصب في نهضة الوطن، ولكن أيضا الواقع يتطلب منا حلولا جذرية لموضوع قد يكون له انعكاساته الاجتماعية، بل والسياسية على المدى الطويل؛ فقبل أي شيء نظل نتشارك وإياهم التاريخ والماضي واللغة.