الجزيرة-الثقافية - خلود العيدان
الخوض في التدوين كمادة صحفية ربما بات أمراً اعتيادياً، فقد كتب عنه (كثيراً)، وأفردت له مساحات واسعة في المطبوع والمسموع والمرئي، نبضه استمر وما زال حديث الكثيرين، تنبأ بعضهم له بمستقبل ينافس فيه المطبوع، بينما أكد آخرون أن نهايته لا شك قريبة، واجه الحجب وراهن على السرعة في بث ومتابعة ومناقشة الخبر، واستمر مادة غنية تفاجئنا كل يوم بالجديد! سمعنا وتابعنا مدونين ومدونات أصبح لهم مكان مهم في المطبوع، وشاهدنا اعتماد وكالات أنباء ومواقع إخبارية على المدونين كمصادر تفوقت على المراسلين في كثير من المواضيع، إلا أن اللافت للنظر أن يتجه من صَحِب المطبوع في قلب الكتب أو الصحف أو غيرها إلى عالم التدوين مدوناً ومتابعاً لنبض حرفه في مواجهة مباشرة مع القارئ. لنجد أنفسنا أمام السؤال الأهم (لماذا عالم التدوين؟)، وهو ما توجهت به (الثقافية) للمفكر الدكتور محمد الأحمري الذي حملت مدونته اسمه http://alraed.info/، وذكر الأحمري ل(الثقافية) أن التدوين لا يكلف تكليف المقال الطويل فهو فكرة أو ملاحظة سريعة، وأقرب لتسجيل الذكريات والملاحظات أكثر من كونه رأياً مكتملاً، وأن الكتابة الطويلة -برأيه- تستنزف جهداً لا يحتاج إلى بذله في التدوين، وأضاف (ليس لي مكان في المطبوع؛ ولهذا فالصحافة الإلكترونية هي مجالي الذي أعرفه واعتدته).
وبتوجيه السؤال نفسه للكاتب ناصر الصرامي الذي أطلق على مدونته (ناصريات ولكن) naseriat.blogspot.com، أجاب (مارست التدوين طويلاً، حتى وأنا أكتب روايتي الأولى (طريق الزيت) وبعدها، ومارست التدوين طوال انقطاع (إجباري) عن الكتابة الصحفية، كما استمررت في التدوين حتى بعد العودة إلى الكتابة الصحفية المنتظمة بجريدة الجزيرة، إلا أن علاقتي بالتدوين علاقة شخصية جداً، علاقة عشق خاصة هي القادرة على وضعي دون مقدمات أمام الإنترنت وأمام عالم النشر الإلكتروني دون رقيب أو حسابات إلا أنا..! لذا يبقى التدوين عزيزاً، حتى على الرغم من مزاحمة شبكات العلاقات الاجتماعية على الإنترنت ومشاركتي في مجموعات عدة ومنتديات بالتعليق أو بالكتابة والمتابعة، إلا أن المدونات تبقى في صحفنا الخاصة والباقية، فهذا هو عصر التدوين الإلكتروني.
وعن تجربته في التدوين أكد الصرامي أنها تجربة مختلفة، أكثر حرية وشخصية، لا يمكن تشبيهها بغيرها، فللتدوين حسب قوله - إيقاع خاص يشبه الحديث المباشر والتعبير غير المتردد والمنمق كما هو الحال في إنتاج أدبي، وأضاف (لاشك أن المدونة بحاجة إلى بعض العناية، لكن عناية بسيطة لتظهر بشكل لائق بمتابعيها ولغتهم)، وللصرامي مدونتان إحداهما شخصية وسبق الإشارة إليها وأخرى خاصة بروايته (طريق الزيت)، وأكد عبر الحديث عنهما أنه يقضي فيهما أوقاتاً متفاوتة، يبتعد أحياناً، لكن لا يمر وقت قبل أن يعود إليهما وينثر حرفاً هنا وآخر هناك.
وبحثاً عن الإجابة كان لابد من طرق باب عالم الشعر، ليجيب (الثقافية) الشاعر عيد الخميسي الذي أطلق اسم (تعبير غير دقيق) على مدونته eidalkhamesi.wordpress.co m، وفي إجابته أكد أن المكسب الكبير الذي يتحقق عبر التدوين هو في اكتساب قارئ جديد، فعدد قراء مدونته تجاوز المئة ألف، وبافتراض أن 1% منهم قام بقراءة النصوص الشعرية حسب قوله- فهذا يعني الوصول إلى قراء يعجز الكتاب عن الوصول إليهم (رقماً). وشدد الخميسي على أن التواصل مع الأصدقاء والساحة وكتاب الإنترنت الجدد مكسب مهم يحققه وجوده الذي بات أقل حالياً على حد تعبيره؛ ففي هذا ضمان لمتابعته لحراك الساحة في هامشها الغني والكثيف والمندلع!، كما أشار إلى أنه لا يعد نفسه مدوناً، فما ينشره في المدونة يكون عادة منشوراً عبر الورق، لكنه يكتب بين الفينة والأخرى مواد تخص المدونة وحدها.
وأضاف (ان نمط القراءة المعتاد قد طرأ عليه كثيراً من التغييرات بدخول الإنترنت، قراء الإنترنت المحفزون يشكلون مسانداً مهماً للشاعر الكاتب، وثمة مواهب أدبية كبيرة وهي مواهب شابة لكنها كبيرة بموهبتها وطموحها تصدرها المدونات وتخلق لكتابها مبكراً فرص القراءة ومعرفة الآراء المختلفة وقياس أصداء النصوص. فالمدونات تقدم وتقترح شكلها الأدبي الخاص، فالكثير مما يكتب يتحرك في مناطق جديدة ولا تدخل ضمن التصنيفات التقليدية للكتابة الأدبية ومثل هذه المناطق يغريني التماس معها). رسمت الإجابات مثلثاً جمع المفكر، الكاتب، الإعلامي والشاعر على أرض التدوين. وما إن نطرق باباً في هذا العالم إلا ويُفتح لنا آخر، وحتماً ستثمر الإجابة سؤال جديد!