يبدأ الكتاب بمقدمة لمؤلفه الأستاذ سعود السرحان يؤرخ فيها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التاريخ الإسلامي، وكيف كان شعاراً للثائرين على الدولة الإسلامية والمعارضين لها على اختلاف مذاهبهم، ثم يوضح السرحان أن الدولة الإسلامية نجحت في تحييد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستيعابه ضمن مؤسساتها، وذلك ضمن وظيفة الحسبة والمحتسب. وختم السرحان مقدمته بملاحظتين، الأولى: عن الاختلاف بين التنظير للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وممارسته؛ حيث يمتاز التنظير بالتسامح ووجود ضوابط تحدده، أما الممارسة فتختلف. أما الملاحظة الثانية فتوضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آلية نافعة لحفظ الأمن وصيانة الجماعة عند غياب أو ضعف الدولة المركزية. وقد جمع السرحان في هذا الكتاب أربع رسائل، بينها رابط واحد، هو كونها تتضمن نصائح للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. الرسالة الأولى، (رعة البارع عن بلتعة البازع) لولي الدين العثماني المنفلوطي الشافعي المتوفى سنة 774، وهي مخطوطة تنشر لأول مرة. يحدد العثماني سبع محظورات يجب على الناهي عن المنكر تجنبها، وهي: إنكار الأفعال المختلف في تحريمها، وسوء الظن بالمسلمين، والتجسس عليهم، وفضح الناس وهتك أستارهم، وتصديق الوشاة والبلاغات، وعدم تصديق الإنسان إذا جحد وقوعه في المعصية، وأخيراً التطاول على الناس بالسب والشتم والتعيير والدعاء عليهم.
والقارئ لرسالة العثماني يلحظ روعة أسلوبه ودقة استدلالاته بالقرآن والسنة، مع سعة أفق فقهية تربوية. أما الرسالتان الثانية والثالثة فهما لمؤلف واحد هو الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب المتوفى سنة 1206هـ، الرسالة الأولى: وجهها الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى ثنيان بن سعود وأحمد بن سويلم، وهي مرتبطة بحادثة، حيث يبدو أن بعضهم أنكر على رجل من آل البيت ثلاثة أمور، هي: أنه يلبس عمامة خضراء، وأن بعض الناس يُقبِّلون يده، وأنه يدافع عن بعض الطواغيت. فكان توجيه الشيخ محمد بن عبدالوهاب أن تقبيل اليد، ولبس العمامة الخضراء لآل البيت، أمران مباحان لا يجوز إنكارهما. كما تحدث عن ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر منها:
1- العلم بأن الفعل محرم، ولا يُكتفى في ذلك بالظن.
2- التثبُّت وعدم الاستعجال وتصديق الوشاة.
3- عدم التجسس، بل يُكتفى بالظاهر وعدم التفتيش عن البواطن.
أما الرسالة الثانية فهي مرتبطة بحادثة أخرى؛ حيث إن بعض الناس قاموا فيما يبدو بالإنكار على أمير بلدتهم المعين من قِبل الإمام محمد بن سعود أو ابنه عبدالعزيز. وقد أدى هذا الإنكار إلى حالة من الاختلاف؛ الأمر الذي دعا إلى تدخل (الدرعية) حيث مرجع السلطتين الدينية والسياسية؛ فأرسل محمد بن عبدالوهاب رسالة لاحظ فيها الباحث الأمريكي الدكتور مايكل كوك، أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قام بتقليص سلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أقصى درجة من أجل الحفاظ على مصلحة الدعوة وللحد من أي ضرر سياسي قد يسببه هذا الاختلاف. وقد أكد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في رسالته هذه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسقط إذا كان يؤدي إلى افتراق. وفي هذا تأكيد منه على مرجعية فكرة (الجماعة)
و(الاجتماع) وأنها مقدمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما يؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب أهمية الرفق في الإنكار، وينهى عن استعمال الغلظة. أما الرسالة الرابعة فقد أرسلها الملك سعود بن عبدالعزيز المتوفى سنة 1388هـ إلى هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يأمرهم فيها بالرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يأخذوا الشعب بالحسنى في أمرهم أو نهيهم، وذلك بعد الذي بلغه من استعمال بعضهم القسوة والشدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد استقى السرحان عنوان كتابه من حادثة ذكرها المؤرخ ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) أنه في سنة 323هـ: عظم أمر بعض الناس وقويت شوكتهم، فأرهجوا بغداد.
صدر الكتاب عن دار بيسان للنشر والتوزيع في لبنان.