الخلق والمروءة التي تميز بها عنترة سبق فيها عصره (حيث تميز بحسن الخلق، وكان أحسن العرب نفسا، وذا مروءة عالية، وتطلع إلى معالي الأمور. وكان يجمع بين السماحة والإثارة والعفو وبين الانتقام من العدو الظالم). كانت تلك الصفات التي تميز بها عنترة أول ما طرحه الدكتور عبدالله العريني في دراسته (روح النص الشعري (قراءة في غزل عنترة بن شداد) التي عرضها خلال الجلسة الثانية لملتقى نادي القصيم الأدبي الخامس والذي يتناول عنترة بن شداد.. التاريخ والتوظيف الأدبي).
وحول المعالم الأساسية لشعر عنترة بشكل عام وغزليته خاصة أشار الدكتور عبد الله العريني إلى أن السهولة التي تميز بها شعر عنترة كانت الملمح الأهم، بينما أعطى الصدق والعاطفة روح نصه دفئًا ومنحه تألقًا وأمده بأسباب القبول رغم الصدود الذي وجده من أهله، وكذلك عدم مبادلته الحب من جانب محبوبته عبلة. بينما تأتي أخلاقياته العالية في مكانة متميزة، حيث ابتعد شعره عن البذاءة التي شوهت وجه عاطفة الحب السامية. ولفت العريني إلى أن شعر عنترة تميز -كذلك- بكسر المعادلة التي كانت تشير إلى أن الإنسان الرقيق هو الذي ينتج شعرًا رقيقًا؛ حيث تمكن عنترة بهيئته المحاربة البعيدة عن الرقة والنعومة من الوصول إلى أعذب كلمات الحب. فضلاً عن تمكنه من التغلب على التلازم بين البيئة والشعر؛ حيث تجاوز بيئته الخشنة بشعر في غاية الرقة والعذوبة.
العبودية.. عقبته الكؤود
وفي نفس الجلسة - التي ترأسها الدكتور صالح بن زياد الغامدي- تناول الدكتور ظافر الشهري في مشاركته التي كانت بعنوان (ثنائية التجربة عند عنترة) عددًا من الثنائيات التي تميز بها عنترة ومنها: ثنائية الواقع، عنترة بين الحرية والعبودية، تجربة الحب بين القبول والرفض، إضافة إلى قضية النسب.
وأشار الشهري إلى أن قضية عنترة الأولى كانت رغبته في الانتساب إلى قبيلته، في حين كان اللون عثرة أمام ذلك، وكانت العبودية عقبته الرئيسة. لذلك أطلق عليه أحدهم (أغرب العرب الثلاثة)، إلا أن عنترة كان المتميز الوحيد بين الثلاثة في رفضه واقعه، ومحاولته أن يثبت من خلال شجاعته وعفته أنه رمز من رموز قبيلته التي لا يمكن أن تنفصل عنها.
وأشار الدكتور ظافر الشهري إلى أن عنترة حول قضية العبودية إلى مهادنة مع قومه، وترك للأيام أن تثبت فروسيته. لافتًا إلى أن من أهم خصائص السيادة لدى عنترة هي اقتناعه بأهمية الهمة العالية، وعدم غضبه على أسرته بل عتبه عليهم. إضافة إلى أنه كان مكبلاً بحبال الهوى لقبيلته وكان محبًّا صادقًا لهم بمعنى الكلمة. في الوقت نفسه الذي بقيت ذاته المتسامية في شجاعته فوق كل اعتبار. وانتقد الشهري تسامي عنترة ومحاولته الانتقاص من الآخرين حيث كان يظهر دائمًا بمظهر البطل وغيره ضعاف.
واختتم الشهري مشاركته بأن أسلحة عنترة في رفضه للواقع الاجتماعي كانت شعره وسيفه ورمحه وتاريخه القتالي وحمايته للعرض وإبائه القتالي.. وهي الأمور التي صاغت مجده التليد.
ارتباط وثيق بالمجتمع
ولفت الدكتور سعيد شوقي في بحثه الذي وضع عنوانًا له (الارتقاء بالذات ومصاولة الآخر وأثرهما في بناء شعر عنترة.. دراسة بنيوية تكوينية) إلى أن لعنترة خصوصية شملت شخصيته، وخصوصية شملت سمات شعره. لافتًا إلى بعض خصائص شعر عنترة ومنها: شيوع الخطابة، امتلاء الشعر بكثير من الصفات البطولية والدرامية، زيادة التكرار، ذكر محبوبته بطريقة واضحة، إضافة إلى زيادة الأفعال المتعدية.
وأشار إلى ضرورة فهم طبيعة المجتمع الذي نشأ فيه عنترة لفهم حالة التمازج الذي نشأ بين بنى شعر عنترة وبين مجتمعه. حيث ولد عنترة في نظام بنيوي للقبيلة لا حركة لأفرادها إلا بموافقتها، وهو مجتمع كان يتكون من ثلاث طبقات؛ إحداها تشمل السادة وأخرى تضم العبيد، بينما كانت الطبقة الثالثة التي انتمى لها عنترة تشمل البارزين التي كان النظام القبلي يسمح بظهورها. وكان من أهم مقومات هذا البروز الغنى، إضافة إلى السيف الذي لجأ إليه عنترة ليصبح متميزًا في قومه.
وتطرق الدكتور سعيد شوقي إلى أن عنترة وجد طريقه في الخلاص عبر الارتقاء بالنفس من خلال استبدال نصفه العبد من خلال إمكاناته المتاحة، مشيرًا إلى أن رفضه لأهمية الحسب والنسب وافقت إدانة الإسلام بعد ذلك لهذه القيم، في حين تميز الإسلام بأن وضع التقوى معيارًا للتميز بين الناس.
الجلسة الثالثة
سيطر الحديث عن الانتماء لدى عنترة بن شداد على الجلسة الثالثة ، حيث تناولتها اثنتان من الدراسات التي عرضت خلال الجلسة. وكان اللافت الرأي الذي طرحه الدكتور صالح محمد المطيري والذي يتركز حول أن عنترة أخلص في النهاية للانتصار لذاته.. وتطلع إلى إثبات نفسه، والانتصار لذاته والفخر بنفسه وصنائعه على الانتصار للقبيلة. مؤكدًا ذلك بأن انتماء عنترة وانتصاره لذاته فاق انتماءه لقبيلته، ومما أسهم في ذلك أفعاله في حومة القتال وإسهامه بحظ وافر في الذود عن حياض قبيلته. ولفت الدكتور المطيري في ورقته التي كان عنوانها (دراسة لقيم الانتماء لدى عنترة بن شداد) إلى أن القيم التي ترتبط بالانتماء لدى عنترة يتمثل في الانتماء الجمعي الذي يتوحد مع القبيلة والانتماء الفردي المرتبط بالذات. وأشار إلى أن عنترة لم يشعر برد الاعتبار حتى بعد تحريره؛ حيث استمر كسيف البال محبطًا ناعيًا ازدواجية قومه في التعامل معه. وهي الازدواجية التي تمثلت في عدم مراوحة نظرة المجتمع لعنترة خانة العبودية، في نفس الوقت الذي شكرت له الذود عن حمى قبيلته.
وفي البحث الثاني الذي تناول السخرية والانتماء في شعر عنترة.. قراءة نقدية (أشار الدكتور فرج مندور إلى أن عنترة تمكن من تحقيق المعادلة الصعبة بين السخط من الأوضاع والانتماء للمجتمع. مشيرًا إلى أن سخرية عنترة كانت نابعة من انتمائه لقبيلته. وفسر ذلك بأن السخرية مبعثها مقابلة الواقع باعتبار ما فيه من نقص، وأن الهدف من سخريته هو معالجة ظواهر شائعة في المجتمع، وهي التي تصدر عن فرد قادر على النفاذ إلى مواطن القصور في مجتمعه وصولاً إلى رفعة وسيادة قبيلته. كما أشار إلى أن سخرية عنترة وانتمائه ينتميان إلى السخرية التي تظلل أصحاب القدرات الذين ظلمتهم أقوامهم، إلا أنهم لم يتمردوا على مجتمعاتهم بل عملوا على تزكية أنفسهم بجميل الصفات والشمائل.
وأشار الدكتور مندور إلى أن عبودية عنترة وضعة نسبه ولونه كانت أهم دوافع السخرية منه، وهي السخرية التي واجهها عنترة بسخرية مقابلة. وأكد الباحث أن عنترة لم يعرف في سخريته الحقد.
وشدد الدكتور حسن طاحون في ورقته التي طرحها تحت عنوان: (النزعة الإنسانية في شعر عنترة) على أن مجتمعاتنا في حاجة ماسة إلى فروسية عنترة النفسية والمعنوية. لافتًا إلى أنه لولا أن عنترة كان شديدًا على نفسه لما كان متحكمًا في طباعه، وأنه كان عزيز النفس، سعيه متواصل نحو العلا، متعفف عن الدنايا، يبث الحكم النافعة لكل جيل. ويجدد الفطرة في النفوس.
وحول أهم ملامح الإنسانية لدى عنترة يشير الدكتور طاحون إلى أن منها : عدم تحقير شيء من المعروف والاعتراف بالفضل لأهله، إضافة إلى تميزه عن جميع شعراء الجاهلية وله بصمة مختلفة، ضاربًا مثالا على ذلك بأنه إذا وقعت امرأة في الأسر وأراد أن يتزوجها فإنه لا يقربها حتى يبحث عن أهلها ويدفع مهرها.
ومن جانبها أشارت الدكتورة أسماء أبو بكر أحمد في ورقتها (رؤية العالم وملامح التجديد في شعر عنترة) إلى ارتباط شعر عنترة بمجموعة حكايات عاشها مثل حكاية قوته وحبه لعبلة وحريته. مما أدى إلى بروز بعض ملامح الشخصية وحضور الزمان والمكان في شعره. لافتة إلى ارتباط صورة الحرب بالحب في شعر عنترة بمحبوبته عبلة. ودللت على ذلك بأنه حين ينظر إلى بريق السيوف يلمح ثغرها الباسم فيتعانق السيف مع ثغرها الذي تقطعه الابتسامة. وهي صورة تفاعلية يبرز فيها عنصر المقاومة.
الجلسة الرابعة
طالبت الجلسة الرابعة بأهمية توثيق الباحثين للقصائد التي يدرسونها وبخاصة شعر عنترة بن شداد، لافتين إلى أن هناك نوع من الإهمال في توثيق بعض شعر عنترة وذلك من بعد رواية أبي الفرج الأصفهاني لمعلقة عنترة بن شداد. بل بلغ الأمر إلى حد إيراد تهم لم يتوقف عندها أحد. كما أشارت الندوة التي ترأسها الدكتور صالح بن معيض الغامدي - إلى وعي عنترة بظاهرة التضاد واستخدامها في شعره بشكل واضح. إضافة إلى تتبع تناول التراثيين لشعر عنترة.
وكانت البداية مع الدكتور إبراهيم راشد الذي قدم ورقة عن (شعر عنترة في ضوء النقد العربي القديم) أشار خلالها إلى أن سيرة عنترة وضعت في عهد الفاطميين على يد يوسف بن إسماعيل في عهد العزيز بالله الفاطمي؛ حيث قام يوسف بنسبة شعر إلى عنترة في السيرة التي وضعها لحياته رغم أن عنترة لم يعرف عن بعض هذا الشعر شيئًا وهو شعر مصنوع تأثر خلاله يوسف بن إسماعيل بشعراء معاصرين له، مما أدى إلى خلق عنترة جديد غير عنترة الذي نعرفه. حيث غير عنترة الجاهلي وقام بخلطه مع شعر السيرة.
ودعا الدكتور إبراهيم راشد الباحثين إلى توثيق أشعار عنترة بشكل صحيح في الدراسات التي يقدمونها . وأكد أن طبعات ديوان عنترة غير طبعة محمد سعيد مولوي رديئة لا يصح الاعتماد عليها في الحكم على شعر عنترة. موضحًا أن عنترة ليس إلا نموذجًا لتقصير الباحثين في توثيق ما يدرسونه من الشعر العربي القديم.
ومن جانبه أكد الدكتور السيد عبد السميع حسونة في بحثه (أبنية التضاد وأثرها على المتلقى في شعر عنترة بن شداد) أن التضاد موجود في شعر عنترة بصورة حملت آلام هذا الشاعر وآماله، مما أحدث انعكاسًا على مشاعره وأحاسيسه. مما يؤكد أن عنترة كان على وعي بهذه الظاهرة.
وحول أهمية أسلوب التضاد أشار الدكتور حسونة إلى أن سر التأثير في المتلقي لا يكون إلا عن طريق المعاني المتضادة وليست المباشرة، كما يثير التضاد الانبساط والارتياح بسبب العلاقة الحميمة بين التضاد والمتلقي.
وعدد مستويات أبنية التضاد في أنها: التضاد اللغوي البسيط المباشر، المركب، الامتزاجي، الموقفي، السياقي.
وفي الورقة التي قدمها تحت عنوان: (شعر عنترة في عيون التراثيين (قراءة نقدية)) تتبع الدكتور حسين الزعبي صورة شعر عنترة عند التراثيين سواء النقاد أو غيرهم من خلال محاور ثلاثة هي: الشاعر بوصفه حكاية، الوظيفة الشعرية لعنترة، شعر عنترة في الموروث النقدي.
لجلسة الخامسة
أكد الدكتور عبد الناصر هلال أن الشخصيات الأدبية تأتي في المرتبة الثانية من ناحية الاستحضار من جانب الشعراء بعد الشخصيات الدينية، كما تأتي شخصية عنترة في الترتيب الثاني بعد المتنبي استدعاء في الشعر العربي. مفسرًا الاهتمام الشعري باستدعاء شخصية عنترة برغبة الشعراء في تلمس بطولة عنترة وفروسيته في الوقت الذي تسيطر على العالم العربي حالة من الانكسار والتخاذل.
جاء ذلك في الجلسة الخامسة التي أدارها الدكتور محمد الصفراني واستعرض الدكتور عبد الناصر هلال في ورقته (تجليات عنترة بن شداد في القصيدة العربية المعاصرة) كيفية استدعاء عنترة في الخطاب الشعري المعاصر، حيث أوضح أن هناك آليات يستخدمها الشعراء في استدعاء عنترة وهي: استحضار عنترة عن طريق الاسم المباشر أو اللقب أو الكنية، أو عبر الحدث وأهم العناصر التي ترتبط بعنترة، أو استدعاء عنترة عبر النص، لافتًا إلى أن معلقة عنترة هي أكثر النصوص استدعاء من جانب الشعراء.
أما الدكتور أحمد حيزم فقد لفت في دراسته (فن الشعر عند عنترة: إيقاع الذات ونداء الآخر. قصيدة يا طائر البان) إلى أن عنترة حظي بشهرة واسعة، مما أدى إلى انتشار شعره؛ حيث اهتمت به الثقافة العربية القديمة والحديثة على السواء. مؤكدًا أن العلاقة بين الذات وموصوفها كانت حميمة في شعر عنترة.
وحول: (إبداع الدلالة الصرفية عند عنترة في ضوء النقد النصي) أشار الدكتور أشرف ماهر محمود إلى أن علم اللغة امتد اهتمامه إلى التواصل اللغوي وأوجه التأثير التي تحققها الأشكال النصية في المتلقى. لافتًا إلى أن البنية النصية مركبة معقدة. كما استعرض الدكتور أشرف مجموعة من النصوص من شعر عنترة طارحًا مجموعة من التساؤلات عن مدى قدرة هذه النصوص على تحقيق التواصل مع القارئ.
أما الدكتور علاء حمزاوي فكانت دراسته حول: (ملامح سيميائية في معلقة عنترة) وأشار خلالها إلى ارتباط قصائد عنترة بسيرته الذاتية؛ حيث انبرى يدافع عن هويته ويثبت ذاته، وهو ما مثل الغرض الرئيس في شعر عنترة إضافة إلى معاني أخرى قصد الشاعر لفت النظر إليها ومنها : الحب العفيف، البسالة في القتال، شكر المنعم.