لا شيء تغير في غيابك إلا أنني أطفأت واحدة وأشعلتها عشراً.. لا شيء إلا أنني أشعلت معها قناديل حزني وبكاء أحشائي وأنين السنين الراحلة التي قضيتها أحفر قبر مشاعري لتدفن مكانها النسيان والكبرياء والجبروت..
قد نحتاج للرحيل غالباً رغم أوجاعه لنتعرف على شجرة الحب التي لا تموت مهما حجبنا عنها الضوء والماء والشمس..!!
آوه.. كل ذلك كان داخلي.. ما عرفته يمين الله وأنا أحمل حقائبي بين المطارات والموانئ.
وسكرة الترحال المتعبة.. ما عرفته يمين الله إلا مع حقائبك المربوطة إلى عالم بعيد.. أبعد من عالمي الملبد بغيوم الماضي ومراوغة الأحداث... وقد تكونين هناك عمداً لتعلمينني أن الرحلات المغادرة لا يمكن أن تكون مثل رحلات القدوم!!
كفى يا نوازف عمري ما عدت أطيق امتحانات الزمن ولم يعد عندي عزم جديد. يبقى أن أعرف من أنت ولماذا أرهقني رحيلك وأخذ معه شهيتي المفتوحة لكل شيء وأي شيء.. ولماذا حينما تأتين أجادل الزمن بك زمن مديد.. أحتاج لعبقرية فذة تجابهني بتفاصيل مشاعري وأعرف منها ماذا أريد فما عاد في سنين عمري متسع أطيل فيه التفكير والتأمل والتأبين والضجيج.. أخشى أن أنساق خلف أقدام مشاعري.. وأجبرك على الإياب ثم أرحل أنا وأترك لك باقة ورد مملوءة بالوعيد.. وأخاف من لحظة يسألني فيها ربي عن عمري فيما أفنيته.
إذا سأتبع حيرتي التي تجعل لهيب جهنم يغلي في قلبي كغلي الحميم.. وسوف أملأ وسائدي ريشاً.. وأفتح نوافذي وأطلق العصافير.. وأتنفس بعمق لكي أتذكر مع زفراتي أنني.. أنا.. التي لم يقتلع رأسها ريحاً قط.. ولم تخنع ولم تخضع ولم يغير مشيتها حزناً ولم تهرول خلف حمامة بعد أن ضيعت مشيتها.. تذكرت أيضاً أنني عشت من العمر أربعين خريفاً لم ألتفت بها يمنة ولا يسرة لكي أجد معي من يحمل همي وقررت أن أكمل بقية الخريف وأمضي لوحدي.. نعم وحدي وقررت يا سيدتي أن أنام.. تصبحين على خير كثير لا تعودين فيه حتى أستيقظ أو يبعث الله من يموت؟!!
فوزية ناصر النعيم