عندما تجرب عيشة السندباد في جزر ما وراء البحار، أو طرزان ابن الغابة ، تصبح الحرية ليست مشكلة، لأنك لن تكون بحاجة إلى نظام يقننك ويقيدك، فأنت قائد نفسك وقوانينك حسب رغبتك ومزاجك.. لن تخشى أحداً ولا يوجد أي التزامات عليك نحو أحد ومهما فعلت فلن يكون لأفعالك أي مراجعة أو تعقيب من أحد، ولكن حتماً الموقف سيختلف عندما تكون مع ألوف من أمثالك تتعايشون في بوتقة واحدة ومجتمع واحد ملتفين على بعضكم في حالة وجد، تصطدم طموحاتك بطموحات الآخرين، وأحلامك أيضاً كلها محاطة بإطار الآخرين، وستجد نفسك مكبلاً بأغلال وقيود وشبح الآخر، فلابد أن تفكر في حل للخلاص من هذه القيود والضغوط النفسية، وعند بحثك عن حل سوف تجدك مرغماً على عقد وثيقة صلح مع الآخرين، متضمنة بنوداً عدة، منها الواجبات والأصول والعادات والتقاليد وتنظيم العلاقات الإنسانية والذي يليق ولا يليق، وعند تطبيق هذه البنود على أرض الواقع ستلاحظ أن قيودك بدأت تنحل رويداً رويداً، وتحس بأنك بدأت تتعايش مع الآخرين بصورة أكثر سلاسة وارتياحاً، ولكنك ما تلبث أن تشعر بالسعادة والراحة وأنت ترجع إلى دائرتك مرة أخرى، دائرة الضغوط والملل بسبب نقض بند من بنود وثيقة المعاهدة من أناس ليس لديهم مبادئ، فاشتراكهم في هذه الوثيقة كان شكلياً ولأنه لا يوجد عقاب رادع لهم، فإنهم يستغلون التزام الآخرين بالوثيقة لصالحهم، ومع الزمن يعدون هذه البنود التي يمكن أن نطلق عليها (الأدب الاجتماعي) بنوداً متخلّفة وقديمة، والإنسان المتطور الواعي المثقف هو من يتخطى هذه البنود والوثائق والحواجز..هذه الفئة تعمل على تشويه المبادئ والقيم والأصول.. وهي في ازدياد مطرد، قد تدفعنا هذه التصرفات إلى أن نحلم ب(الواقع توبيا) هي مدينة قد تحلم فيها ثم ما تلبث أن تطالب بأن تعيش في الواقع توبيا، أو المدينة الفاضلة الواقعية التي تجمع بين واقعية نظرتنا إلى الوضع الذي نعيشه وما يحويه من تغيرات تدق بقوة على أسس النظم الحالية للطاقة والتكنولوجيا والإعلام والمؤسسات العلمية والعائلية، وبين تعاملنا بأخلاقيات وبسلام مع هذه الأشياء ونظرتنا الصحية لها، وتفهمنا للواقع الذي نعيشه مع هذا التحول نحو مجتمع يقوم على المعلومات، ويعتمد على إلكترونيات عالية (فالواقع توبيا) بعكس اليوتوبيا ليست جامدة ومتحجرة تحجر الصور المثالية غير الواقعية، إنما هي مدينة فاضلة واقعية، فيها مصادمات فاضلة ومشاكل طبيعية، سواء من ناحية علاقة الإنسان بالمجتمع والسياسة والأخلاق والعدالة ومشاكل استقرار الأوضاع الاقتصادية وغيرها.. وهذا لا يعني أنها مدينة كئيبة تتعامل مع ما يواجهه العالم من انحطاط أخلاقي، وخيانات سياسية وإيديولوجيات مختلفة، أو أي تمردات فلسفية تستهدف التجديد، وبين ضرورة معايشتنا لها والنظر لها نظرة يحيطها الأمل والعمل الدؤوب لإصلاح الخلل الذي نعيشه بشكل جاد ومستمر، وطرح غطاء اليأس العقلي الذي خيم على كثير من العقول، فنحن نعيش مكبلين بردود الأفعال التي تصدر منا، وهذا يقود إلى التوقف عن الإبداع والابتكار والتطوير المطلوب.. فيجب ألا نكتفي برد الفعل بل يجب أن نتعدى هذه المرحلة من أجل اللحاق بركب التطور... فالعالم المحتقن حد الانفجار لا يتناسب مع زحفنا الرتيب في مدينتنا الشبيهة ببيت السلحفاة.
تقول زينب: كل الأشياء الفاضلة التي نفعلها تصيبها حُمى النوايا..!!
zienab_76@hotmail.com