إذا كان الغناء هو سر الوجود كما تقول المطربة الجميلة فيروز فإنه كما وجده الأصفهاني في كتاب الأغاني المشهور، يحيي القلب، ويزيد في العقل ويبهج النفس، ويفسح في الرأي، وتيسر به العسير، وتفتح به الجيوش ويذلل به الجبارون وحتى يمتهنوا أنفسهم عند استماعه، ويبري المريض، ويزيد أهل الثروة غنى وأهل الفقر قناعة ورضا باستماعه، ومن تمسك به كان عالماً، ومن فارقه كان جاهلاً، فأما من مات قلبه، وذهب عقله، فإنه يوجب تركه! ووصف الموسيقار محمد كامل الخلعي في كتابه (الموسيقى الشرقية) فن الموسيقى بأنه من أجمل الفنون مذهباً، وأعذب مورداً ومشرباً، وأمزجها للطباع السليمة، وأروضها للنفوس الكريمة، كيف لا وهو مغناطيس القلوب، وشرح حال المحب للمحبوب، ومذهب الأتراح، وغذاء الأرواح. غير أن للغناء مناسبة للكتابة عنه -هي بالتأكيد ليست دخولي عالم الطرب- ولكنها مناسبة الفوائد الجدية والعظيمة والتي لا تنتهي من الموسيقى والغناء. كانت المطربة الراحلة أم كلثوم تغني في أحد أفلامها القديمة أغنية جميلة مطلعها: (غني لي شوي... شوي غني لي وخذ عيني). فالغناء حتى القليل منه يستحق العيون. بعد الأذن والعقل والقلب، أما الآن فقد ثبت في آخر الأبحاث أن الإنسان المتوتر الأعصاب يمكن أن يتغلب على ما به إن راح يصفر ويطلق لحناً ما من بين شفتيه، وأكثر من ذلك، يرتاح وتهدأ أعصابه إن راح يغني، وإن لم يعرف الغناء فلا بأس أن يستمع للغناء، أو لعزف هادئ من الموسيقى، وبخاصة بعض الموسيقى الكلاسيكية الخفيفة. أيضاً فالبعض ترتاح أعصابه بالغناء أو الصفير والبعض الآخر بالانهماك في العمل وآخرون يرتاحون بالصفير وغير ذلك. ولكن الثابت أن الغناء هو الأسهل والأسرع. وتبين مؤخراً أن الغناء هو الأسرع في تهدئة الأعصاب المتوترة، إنه أسرع من الفاليوم وأسرع من الموسيقى أو أي شيء آخر. وميزة هذا الأسلوب -أي الغناء أداءً أو سماعاً- في معالجة التوتر، أنه لا يسبب آية آثار جانبية ولا يكلف شيئاً، بل وله فوائد أكثر من تهدئة الأعصاب، فالغناء يقوي الرئتين ويسمح بإدخال كمية أكبر من الأوكسجين إلى الرئتين ومن ثم إلى الدماغ وتغذية كل أطراف الجسم. لكن هناك فارقاً خطيراً بين أن تسمع سيمفونية جميلة لموزارت وأغنية (هباب) لشعبان عبدالرحيم مثلاً، ففي الأولى سينشد الإنسان الشفاء، وفي الثانية سيستعجل الدخول إلى غرفة الإنعاش!
albassamk@hotmail.com