Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/10/2009 G Issue 13538
الخميس 03 ذو القعدة 1430   العدد  13538
المثقفة السعودية والمستقبل.. بين الجوكر والشطرنج!
التجربة الثقافية هي نظام من المعتقدات
سهام القحطاني

 

يتبنى منتدى المرأة العربية والمستقبل في دورته هذا العام موضوعي التربية والتعليم والسياسية. والحقيقة أن هذا المنتدى وما شاكله من منتديات تظل في دائرة الشك فيما يتعلق بقيمة دورها ومسئوليتها وتأثيرها على إنتاج أو إعادة صياغة التشريعات القانونية التي تخدم قضايا المرأة، على اعتبار أن إعادة أو إنتاج التشريعات القانونية التي تحمي حقوق المرأة في جميع المجالات هي ضابط التأثر والتأثير وممثل القيمة الإيجابية للغاية التي تتحرك في ضوئها، أما القيمة السلبية فهي التي تقتصر على توصيف الأحوال الشخصية والاجتماعية للمرأة العربية وشرحها وأحيانا البكاء على أوضاعها، ثم صف جملة من التوصيات غير الملزمة للحكومات العربية، وأظنه اقتصار لا تملك سواه تلك المنتديات، لكنها تظل رغم دورها التوصيفي غالبا حجرة تحرك مؤقت لسطح المياه الراكدة، وحتى يتحقق الدوام والعمق للتحرك والحركة لا بد من مساندة قوية وجادة وفعّالة، وتلك المساندة بخصائصها لا يمكن توفيرها إلا عبر التجربة الثقافية؛ أي تحويل كل مثقفة عربية إلى منتدى للمرأة العربية والمستقبل.

فهل تملك المثقفة العربية عامة والمثقفة السعودية خاصة قدرة التحول إلى منتدى لقضايا المرأة والمساهمة في تقديم رؤية استباقية لصناعة مستقبلها النهضوي؟ وأنا لا أستثني المثقف من المشاركة في تمثيل هذا الدور لكن الأولوية للمثقفة باعتبار أن إيمان الآخرين بك وبقضاياك لا يتم إلا من خلال إيمانك أولا بنفسك وبقضاياك، إذن المثقف درجة ثانية بحكم الأولوية لا غير.

إن الثقافة كما يعلم الجميع هي عملية تمثل نظري بوصفها حاملاً للمعرفة وبذلك تصبح التجربة الثقافية معها نظاماً من المعتقدات المعرفية تحمل درجة نسبية من الصدق والحقيقة المُنتِجة للوعي من خلال إعادة صياغة البنية الأولية لقيمة الموضوع ومعتقداته وأشكاله، وهنا تكمن أهمية التجربة الثقافية بما تحمله من وازع وعيوي وقيمة التغير والتغيير، ولكنهما وظيفتان أقصد الوازع والقيمة لا تتحققان إلا بأثر رجعي تتمثله المثقفة والمثقف؛ فهما رأسمال التجربة الثقافية.

ورأس المال ذلك يتدرج من فردية الواقع والحقيقة إلى كلية الواقع والحقيقة، فالفردية تضمن لرأسمال التجربة الثقافية تكوين مفاهيمها الأولية وتجريب مقايساتها، والكلية تمنحها القدرة على تصميم إستراتيجيتها الإصلاحية القائمة على الوازع الوعيوي وقيمة التغير والتغيير.

فهل لدينا مثقفة سعودية تملك رأسمال تجربة ثقافية تؤهلها لامتلاك قدرة التحول إلى منتدى لخدمة قضايا المرأة والمساهمة في صناعة رؤية استباقية لمستقبل نهضوي؟.

عادة نحن نمارس تحرير الأسئلة وفق ما نملكه من أدلة وبراهين، والأدلة والبراهين بدورها تُستمد من النماذج والنصوص والخطابات باعتبارها وحدة تنظيم الأفكار والمفاهيم والمواقف.

واعتماد دور المثقفة يمكن أن يُستنبط من خلال تلك القاعدة، لكن قبل تثبيت اعتماد الاستنباط علينا أن نُمكن لحضور الخلفيات باعتبارها مكون علاقة؛ أي مستوى وعي المثقفة بدورها ومسؤوليتها نحو قضايا المرأة، وفرضيات حدود وسقف ذلك الدور والمسؤولية أو اللا حدود واللا سقف، ووعي المثقفة بدورها ومسؤوليتها نحو قضايا المرأة وتأسيس الرؤية الاستباقية لمستقبلها النهضوي يعتمد على ثلاثة محاور هي:

وجوب وجود الاستقلالية الفكرية للمثقفة، والاستقلالية الفكرية هي منهج ورؤية وليست إثارة، فالفضائحية وكشف المستور من جسد المرأة ليست استقلالية فكرية بل هو إغراق في الرّق والعبودية، صحيح أن الاضطهاد الجنسي بأشكاله المختلفة من قضايا المرأة السعودية لكنه ليس أهم قضايا المرأة السعودية، والمثقفة حتى تستطيع تكوين قاعدة بيانات أجندتها الثقافية وترتيب أولوياتها ومنطقة حيثياتها بما يكفل لها مرجعا وعيويا موثوقا لا بد أن تعايش أزمات المرأة ومشكلاتها وتتفاعل معها حتى تستطيع أن تعبر عنها من خلال رؤية وليست حكاية فقط، فالحكايات لا تعادل الرؤى، فهي أقصد الحكايات استعراض لظرفيات الحالات دون الرؤية، ولا أقصد بالرؤية احتواء الحكاية على بديل أو احتمال ضمنيين، وإن كانت افتراضات حدود أفق محمول التصور الثقافي أهم خصائص المواضعة الثقافية عند إيكو وهي عنده تؤسس لرؤية الكاتب والقارئ معاً.

لكن الرؤية التي أقصدها أنا كممثل للاستقلالية الفكرية هي (تجديد بنية العلاقات التي تشكل أفق ومحتوى الحكاية) وهذا التجديد هو الذي يسهم في تغير أو تطوير قانون العلاقة الإنسانية داخل النشاط الدرامي للحكاية.

كما أن فاعلية تعايش المثقفة مع أزمات المرأة وقضاياها ومشكلاتها لا تتحقق إلا من خلال إيمان المثقفة بالمرأة وليس إيمان المرأة بالمرأة؛ لأن الإيمان الغريزي بالمرأة للمرأة يُغيّب المنطقية والعقلانية في التفكير نحو الأمور وهو لا يقتضي ضرورة إلا في حالة انعدام المنطقية والعقلانية بين الأطراف، في حين أن الإيمان الثقافي من قبل المثقفة بالمرأة هو الذي يمكن المثقفة من عقلنة قضايا المرأة ومنطقتها وقوننتها، كما يُمكّن المثقفة من استقلاليتها النفسية عن المرأة التي تحولها إلى محتوى قضويّ.

إن وعي المثقفة السعودية بدورها ومسؤوليتها لا يتحقق إلا من خلال استقلاليتها النفسية.

فالمثقفة السعودية تكتب من مناطق الضعف والانكسار والخوف والشكوى وتتسول العطف، والاضطهاد والشعور بالدونية أليست هذه هي الحالات التي تتمثلها الكاتبة السعودية في نصوصها؟. حتى أصبحت هذه الموضوعات من خصائص النصوص النسوية عندنا.

ولعلها تلجأ إلى تلك الموضوعات من باب الواقعية التي لا تملك الخيال الكافي لفكرنته أو الإدراك الثقافي اللازم للتفريق بين الواقعية والطبائعية، أو من باب السهولة والليونة فهو الأقرب إلى نفسيتها الحريمية وحكائيّتها الحريمية، وهي بتلك النفسية تُثبّت المعيار السلبي للتجربة الثقافية.

وليس المطلوب من المثقفة السعودية أن تتمثل نفسية الحالة التي تكتبها، بل أن تعبر عنها، أن تحول الحالة إلى قضية وإلى قانون إنساني، وهذا بلا شك لا يُفقد مصداقية النشاط الدرامي للصراع السردي، والاندماج النفسي للمثقفة السعودية مع الحالات التي تتمثلها هو دليل على سطحية خبرتها الدرامية وعدم قدرتها على بناء حواجز بينها وبين الحالات التي تتمثلها وعدم القدرة تلك هي التي توقع المثقفة في اللاوعي الحالة التي تتمثلها، فالغيبوبة النفسية للمثقفة أو المثقف مع الحالات التي يتمثلانها ليست مؤشرا للعبقرية الإبداعية بل هي مؤشر على ضعف الملكة الإبداعية للمثقف، فاليقظة النفسية للمثقف وهو يتحرك ويحرك الحالات التي يعبر عنها كقضايا وقوانين إنسانية وتشريعات حقوقية ضمن النشاط الدرامي هي التي تكفل عبقرية المثقف، أو أظن ذلك.

كما أن المثقفة السعودية عادة ما تُقصي التجربة الناجحة للمرأة السعودية كاعتبار مرجعي لنصوصها الكتابية، ولا أدري ما سبب أو أسباب هذا الإقصاء، فنحن لدينا نماذج نسائية ناجحة ومشرِّفة يمكن أن تكون مرجع إيحاء لكثير من قصص الكفاح واستنباط القضايا والقوانين الإنسانية.

فهل عزوف المثقفة السعودية عن التعاطي مع هذه النماذج التي لا شك أنها تشمل على خامة ثرية وإثرائية من النشاط الدرامي بسبب وحدة الفعل السردي الذي لا تستطيع أن تمارسه المثقفة السعودية إذ أنها تحتاج إلى عضلات ثقافية ماهرة؟.

أو لأن المثقفة السعودية لها حساباتها التسويقية الخاصة التي لا تتحقق إلا في ضوء ما ألفت عليه من نماذج وأي تغير قد يضر برزمة الحسابات تلك؟ أو لأن المثقفة السعودية لا تملك أجندة ثقافية ترسم لها دورها ومسؤوليتها نحو المجتمع وقضايا المرأة باعتبارها صوتاً معلوماً؟.

ومهما يكن المرجح من الأسئلة السابقة فالمثقفة السعودية لا يستطيع أحد اليوم أن ينكر وجودها وصوتها سواء على المستوى المحلي أو العربي بصرف النظر عن اختلافنا في تقويم مستوى ونوعية وقيمة هذا الوجود والصوت، فالمثقفة السعودية هي المثقفة العربية الوحيدة التي بدأت من الصفر دون الاعتماد على أي تاريخ ثقافي وهذه العصامية الثقافية تُحسب لها رغم كل أخطائها، لكن اعتبار الانتشار والعصامية الثقافيين يجب ألا يزينان لها الاستمرار في مرحلة التجريب، كما أنهما لا يكفلان لها حصانة دائمة ضد المساءلة والحساب، ولا يمنعان من مواجهتها ومصارحتها بأنها تعيش في أزمة؛ أزمة (الشطرنج والجوكر)؛ إما أن تظل مجرد حجر يحركها الجميع لأهدافه وغاياته ولا تتجاوز حدود رقعة الشطرنج أو رهانا مضمونا لنهضة المرأة السعودية في المستقبل.

* * *




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد