أثناء استقبال خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لمعالي وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة وكبار مسؤولي الوزارة في ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك، وبعد استماعه للعرض الموجز عن المشروع الإستراتيجي الهام (مشروع الرعاية الصحية المتكاملة والشاملة) أبدى الملك -حفظه الله- توجيهاته السديدة، وكان من بينها التأكيد على ضرورة الاهتمام بتوفير الأطباء وغيرهم من الكوادر الطبية، ومن وحي هذا التوجيه انبعثت هذه الخواطر عن كلية الطب بمدينة الملك فهد الطبية.
عندما تم إنشاء كلية الطب بمدينة الملك فهد الطبية في عام 1425هـ صاح بعض الغيورين على اختصاصات وزارة الصحة واختصاصات وزارة التعليم العالى: كيف يجوز ذلك..!؟.. وزارة الصحة يتمثل اختصاصها في تنفيذ السياسة الصحية وتقديم الوقاية والعلاج لعموم البلاد، فلا يحق لها أن تتجاوز هذا الاختصاص.. وهل هي قادرة على القيام بالتزاماتها خير قيام حتى ترهق نفسها بأعباء أخرى ليست من شأنها، بل هي من اختصاص جهة أكاديمية هي وزارة التعليم العالي. هذا في الوقت الذي تطلب فيه الوزارة نفسها نقل تبعية الكليات الصحية المتوسطة إلى وزارة التعليم العالي؟.. هؤلاء الإخوة الغيورون لم يلتفتوا -على ما يبدو- إلى أن هذه الكلية جزء من مدينة الملك فهد الطبية التي هي مؤسسة ضخمة ذات اعتمادات خاصة بها ضمن برنامج للتشغيل الذاتي ومنفصلة عن بنود وزارة الصحة ولها عمادة مستقلة ضمن المدينة نفسها.. فهي لا تتقاطع مع اختصاصات وزارة الصحة ولا تؤثر على التزاماتها ولا تأخذ شيئاً من بنودها على حساب خدمات أخرى، ولكن هذه الحجة -على ما يظهر- لم تكن كافية، فقد اصطدمت باستغراب آخر يتساءل: كيف لمثل هذه الكلية أن توجد وهي مقطوعة الصلة بأم جامعية، أليست هي مؤسسة أكاديمية؟.. إذن لابد أن تخرج من رحم وزارة التعليم العالي وإلا فقدت شرعية الاعتراف، أثير هذا التساؤل وكأنه لا توجد في العالم كليات طبية مستقلة رفيعة المستوى ومرموقة وإن كانت في عددها قليلة، فإنه حسب دليل منظمة الصحة العالمية عن كليات الطب توجد من الكليات التي لم يذكر لها ارتباط بالجامعات ولا تحمل مسمى (جامعة).. واحدة في كندا وواحدة في السويد وواحدة في بريطانيا وواحدة في ألمانيا (هي كلية الطب في مدينة هانوفر)، كما توجد عشر الكليات في الولايات المتحدة من بينها كليات ذات صيت عالمي، مثل كلية طب مايو وكلية طب بايلور، وغني عن البيان أن هذه الكلية تلتزم بالمعايير الأكاديمية وتطبق متطلبات الاعتماد الأكاديمي التي تقررها وزارة التعليم العالي وتشرف عليها مثل ما هو الحال مع الكليات الطبية التابعة للقطاع الخاص التي ترخص بإنشائها وزارة التعليم العالي.
ولو سأل سائل عن مقدار الأهمية التي تكتسيها هذه الكلية وتبرر إنشاءها فسوف يستبين ذلك من ناحيتين على الأقل.. أولاهما: أنه بسبب ندرة الأطباء السعوديين في المملكة (21%) فإن إضافة كلية الطب إلى كليات الطب المنتشرة في المملكة هي مطلب وطني ضروري لكي تساهم في رفع هذه النسبة. وقد كانت هذه الكلية في عام 1425هـ، هي الثالثة في مدينة الرياض التي يبلغ سكانها خمسة ملايين نسمة، ثم أعلن بعد ذلك بأربع سنوات عن إحداث كليتين جديدتين للطب إحداهما في جامعة الإمام محمد بن سعود والأخرى في جامعة الفيصل، مما يدل على الشعور بعظم الحاجة إلى سد النقص الشديد في عدد الأطباء السعوديين.
الثانية: أن هذه الكلية تعمل في رحاب مدينة طبية عدد أسرتها (1200) سرير وتحتضن أربعة مستشفيات تشتمل على جميع التخصصات الطبية، ويعمل بها استشاريون على درجة عالية من التأهيل.. الأمر الذي يجعل فرص التعليم والتدريب لطلاب الكلية وأطباء الامتياز واسعة وراقية، فإذا أضيفت إلى الفرص والإمكانات التي تهيئها المدينة نفسها، فرص التدريب والتعليم التي تتيحها المستشفيات الكبيرة الأخرى (العاملة حالياً والتي تحت الإنشاء) التابعة لوزارة الصحة في مدينة الرياض، فإن ذلك يوجد بيئة ممتازة للتعليم السريري والتدريب الطبي لا مثيل لها في المملكة، مما يمكن الكلية من تخريج عدد كبير من الأطباء على درجة عالية من التدريب والتأهيل، بل إن ذلك يمكّن الكلية من القيام بأبحاث رائدة في مجالات صحية متعددة -على وجه الخصوص في مجال صحة الطفل والصحة العامة- لا سيما أن وزارة الصحة تنشئ الآن المختبر الصحي الوطني الذي من شأنه أن يشكل بالتعاون مع مدينة الملك فهد الطبية وكلية الطب بها منظومة صحية زاخرة بالإمكانات العلمية والطبية.
لذلك قد يرى أولو الأمر -حفظهم الله- أن تأخذ هذه الكلية مسمى خاصاً بها يناسب هذه المرتبة العالية من الأهمية، بحيث تسمى (كلية الملك فهد الطبية)، وهذا الاسم يرمز للوفاء وينسجم مع اسم مدينة الملك فهد الطبية، ويتناغم مع جهود معالي وزير الصحة لتطوير خدمات وزارة الصحة والرقي بمستواها.
ولعلّ من الجائز في هذا المقام أن نعبّر عن الأمل في أن يعقب هذه التسمية إنشاء وقف خاص بهذه الكلية يرفد الاعتمادات المخصصة لها ويدعم مسيرتها العلمية ونشاطاتها البحثية والتوعوية والتعليمية.