البروفيسور البنقلاديشي (محمد يونس) أحد الأعداء الحقيقيين للفقر. كان يعمل بعد تخرجه رئيسًا لقسم الاقتصاد في جامعة شيتاجونج. وكان الفقر يلف كلّ ما حوله في بنقلاديش، فلمعت في ذهنه فكرة أن ينشأ بنكاً للفقراء، يقوم على إقراض المنشآت المنتجة الصغيرة جداً دون ضمانات. ابتدأ بتجريب الفكرة بشكل محدود، ثم توسع فيها شيئاً فشيئاً، حتى انتهى به الأمر إلى إنشاء بنك تحت مسمى (بنك جرامين)، ونجحت الفكرة نجاحاً لافتاً، وانتشرت أفرع البنك في كل أنحاء بنغلاديش، واستفاد من البنك كثير من الفقراء؛ وأخيراً توّجَ مجده وإنجازاته ورسالته الوطنية والإنسانية العظيمة بفوزه بجائزة نوبل. يقول محمد يونس عن الفرق بين الإنسان الذي يشتغل بالنظريات ومن يشتغل بالتطبيق: (لقد كنا نحن أساتذة الاقتصاد نتميز بشدة الذكاء، لكننا لم نكن نعرف شيئًا عن الفقر الذي كان يحيط بنا من كل جانب).
أن تقرض إنساناً ثمن سنارة ليصيد بها سمكاً خير من أن تهبه سمكة. في هذه المقولة يكمن السر في مكافحة الفقر، والقضاء على البطالة؛ وهو الأسلوب ذاته الذي اعتمده محمد يونس في بنك جرامين. ونحن في المملكة نتحدث كثيراً عن معضلة البطالة ومُنتجها النهائي الفقر الذي سيكون له آثار وخيمة على الاستقرار إذا لم يتم تطويقه، ومحاصرة مسبباته، غير أننا لا نتحدث كثيراً عن إيجاد منشآت تمويلية تجارية هدفها تمويل منشآت (الأعمال الصغيرة)، رغم أن التجارب العالمية أثبتت أن منشآت (الأعمال الصغيرة) من أهم الوسائل الفعالة في مكافحة الفقر، فضلاً عن مردودها الإيجابي على اقتصاد البلاد ككل. ويتفق الخبراء الاقتصاديون على أن (منشآت الأعمال الصغيرة) تشكل حلولاً اقتصادية، وكذلك اجتماعية، مثالية لمحاصرة البطالة والفقر، لأي دولة في العالم.. ففي أمريكا كل عشرة يتم توظيفهم يكون ستة منهم في المنشآت الصغيرة، وفي اليابان كل عشرة يكون خمسة منهم في المنشآت الصغيرة، وفي الهند كل عشرة يتم توظيفهم يكون تسعة منهم في المنشآت الصغيرة، كما تقول مديرة مركز سيدات الأعمال بالغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية هناء الزهير. وهذا يعني أن العناية بمجال الأعمال الصغيرة، ودعمها، سينعكس انعكاساً إيجابياً على خلق فرص جيدة لتوفير أعمال لمن يعانون من ضيق فرص العمل.
وليس في المملكة أي منشأة (تجارية) تمويلية (متخصصة) في إقراض المنشآت التجارية الصغيرة، أو جهة حكومية تضمن هذه القروض، بخلاف بنك التسليف الذي أثبت فشله الذريع، وإخفاقه في خلق قاعدة اقتصادية تحاصر الفقر والبطالة، بالشكل والمضمون الذي يُساهم في اتساع رقعة العاملين والمستثمرين في منشآت الأعمال الصغيرة. ففي اليابان مثلاً هناك أكثر من خمسين منشأة حكومية عملها ضمان القروض للمؤسسات الصغيرة، وفي أمريكا هناك وكالة حكومية في كل ولاية تضمن قروض منشآت الأعمال الصغيرة أمام المؤسسات التمويلية التجارية؛ ومثل هذه النشاطات تجعل في النتيجة الاقتصاد حيوياً وقادراً على التعامل الأمثل مع ما يكتنف المجتمع من مشاكل لها علاقة بدخل الفرد، وكذلك خفض معدلات البطالة.
والبنوك في المملكة لا تهتم إلا بكبار التجار، ولا تلتفت إلا إلى من يملكون منهم الضمانات العينية، أو النقدية، لتقوم بتمويلهم، وفي المقابل تغيب غياباً تاماً أية منشآت تمويلية غير حكومية (تجارية) هدفها التعامل التمويلي مع المؤسسات الصغيرة؛ وهذا ما ساهم بشكل غير مباشر في تفاقم معدلات البطالة، وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر. إلى اللقاء