Al Jazirah NewsPaper Tuesday  20/10/2009 G Issue 13536
الثلاثاء 01 ذو القعدة 1430   العدد  13536
مع عودة التضخم.. أما آن الأوان لإيقاف التحفيز؟

 

د. حسن الشقطي

ظهرت مؤخرا توجهات رسمية تتحدث عن تأجيل النظر في إيقاف السياسات التوسعية التي اتخذها الحكومة لتحفيز الاقتصاد الوطني.. فقد تم إقرار هذه السياسات التوسعية لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية والتي أثرت سلبا على مستوى السيولة في الأسواق، وبالتالي فإن إقرار التحفيز والتوسع كان بهدف مواجهة الميول الركودية الناجمة عن تراجع الطلب العالمي.. وبالفعل فقد تراجعت مستويات الطلب بشكل ملحوظ على المستويين المحلي والعالمي وبخاصة في ظل التراجع الحاد الذي سجله السعر العالمي للبترول.. ولكن الآن ومع انعكاس التوجهات وبدء ظهور ملامح التضخم من جديد.. ألم يحن الأوان لإعادة النظر في إيقاف سياسات التحفيز للحد من التضخم؟ بل إنه رغم كل ما يقال عن الركود العالمي.. فهل حدث ركود محلي حقيقي في المستوى العام للأسعار؟ وإذا لم يحدث تراجع حقيقي في المستوى العام للأسعار في السوق المحلي في أحلك فترات الركود العالمي، فكيف يمكن أن يكون الحال إذا استعاد الاقتصاد العالمي ميوله التضخمية كما كانت في عام 2007-2008؟

مؤشرات انتهاء

الركود وعودة التضخم

يوجد هناك العديد من المؤشرات التي تدلل على استعادة النشاط الاقتصادي العالمي لميوله التضخمية، رغم أن هناك شكوكاً في انتهاء الركود.. وهذا الأمر ليس بجديد، فيوجد حالة في الأوضاع الاقتصادية، وهي التضخم الركودي، وهي حالة متعارف عليها، وقد تكون أصعب من حدوث التضخم أو الركود منفردا.. ويمكن التدليل على عودة التضخم من المؤشرات التالية:

(1) الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية للبترول من مستوى 37 دولاراً للبرميل حتى لامس 79 دولاراً خلال الأيام القليلة الماضية.

(2) الإنفاق العالمي الضخم على تطوير البنى التحتية لمرافق الخدمات على مستوى كافة الدول للوقاية من أنفلونزا الخنازير.

(3) ارتفاع مؤشرات البورصات العالمية، وخاصة الأمريكية في ضوء توالي الأخبار عن تحسن المؤشرات الاقتصادية للسوق الأمريكي.

(4) بدء تراجع كثير من الدول عن خططها التحفيزية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أقرت إيقاف صرف جزء من موازنة التحفيز مؤخراً.

(5) ارتفاع كبير في سعر أونصة الذهب لتتجاوز 1050 دولاراً.

(6) يشير أحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن الركود العالمي في طريقه للانتهاء، وأنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.1% في عام 2010م.

إن كل هذه المؤشرات تؤكد على بدء جولة جديدة من التضخم.. ولكن هل سيكون تأثير التضخم الجديد على كافة الاقتصاديات بنفس القوة؟

هل حدث تراجع في أسعار السلع بالسوق السعودي تأثراً بالركود العالمي؟

كل توسع يتوقع أن يقود إلى تضخم في نهايته، لأنه يصعب الفصل بين معالجة الركود وبين التحول إلى تضخم.. بمعنى يمكن أن تسعى أي دولة لمعالجة الركود ولكن لا يوجد أي ضامن بأن لا يؤدي ذلك إلى حدوث مشكلة أخرى وهي تضخم جديد.. ولكن دعنا نعود للمستوى العام للأسعار في السوق السعودي.. هل فعلا استجاب السوق المحلي للركود العالمي وحدث ركود أو تراجع حقيقي في المستوى العام للأسعار؟ للأسف الإجابة بالنفي.. لأن الأزمة المالية والركود العالمي لم يؤديا إلى تراجع في المستوى العام للأسعار، ولكنهما أديا إلى جمود أو توقف نسبي لصعود أسعار السلع الأساسية.. فلولا هذا الركود العالمي لكانت مستوى أسعار الأطعمة المشروبات والإيجارات مثلا وصلت لمستويات أعلى كثيرا من مستوياتها الحالية.. فالشكل رقم (2) يوضح أنه لا يمكن القول بأنه قد حدث ركود في أسعار السلع في السوق السعودي.. أيضا الشكل (1) يوضح أنه لم يحدث تراجع في المعروض النقدي، بل إن هذا المعروض سجل مستويات قياسية جديدة خلال عام 2009 لم يحققها من قبل.. أما مستوى الائتمان المحلي، فيوضح الصورة بشكل أكثر دقة، حيث حدث بالفعل تراجع في مستوى الائتمان المصرفي خلال الفترة من ديسمبر 2008 إلى مايو 2009، وهي الفترة التي حدث فيها أعلى تراجع في مستوى النشاط الاقتصادي العالمي، إلا أن هذا الائتمان بداية من يونيو الماضي بدأ يستعيد مستوياته الصعودية، وأصبح يسجل تزايدا شهريا ملحوظا.. كل ذلك يدلل على انتهاء الركود وبدء جولة جديدة من التضخم.

التضخم القادم أشد ألماً

مما سبق يتضح أن السوق السعودي يعتبر من الأسواق التي استفادت من الأزمة العالمية، حيث خففت من الضغوط التضخمية بها، إلا أنها كدولة بترولية، وفي ظل الصعود القوي في أسعار البترول خلال الشهرين الماضيين، فإنه لا يمكن القول بأن المملكة مرت بركود، بل ما حدث هو نوع من تجميد التضخم، إلا إنها احتفظت به بجانب الركود.. إلا أن ذلك في حد ذاته قد يصبح مشكلة عندما يستعيد الاقتصاد العالمي نشاطه التضخمي من جديد، حيث إن السوق السعودي لن يتعرض لتضخم جديد، بل إنه بالفعل لم ينه تضخمه القديم، بل ستصبح مستويات الأسعار القديمة هي الأسعار الذي ستبدأ بها دورة التوسع الاقتصادي الجديدة.. وبالتالي فإن المملكة معرضة لتضخم أكثر حدة عن ذي قبل، وخاصة في ظل التوقعات بوصول أسعار البترول لأعلى من مستويات 2008 الجنونية.. فالتوقعات تشير إلى أن معدلات النمو لأعلى الاقتصاديات الصاعدة في عام 2010 ستكون في حدود 5%، فما بالنا لو عرفنا أن الاقتصاد السعودي يحقق حاليا معدل نمو يقترب من هذا المستوى، وبالتالي فمن المتوقع أن يحرز معدل نمو ربما يفوق 5.5% في عام 2010، أي إنه قد يكون ضمن أعلى خمس دول في العالم من حيث معدل النمو الاقتصادي.

التفكير في إيقاف التحفيز

إن الأمر يتطلب الآن وسريعاً التفكير في تغيير النهج التوسعي إلى نهج يوازن ما بين الركود والتضخم، ولنا في نتائج سابك (التي تعتبر بندول النشاط في السوق المحلي) عبرة، حيث إن صافي أرباحها للربع الثالث من هذا العام جاء ضعفه للربع السابق، ويتوقع أن تسجل معدل مضاعف أيضا للربع القادم، أي أنها يتوقع أن تصل لنفس مستويات نشاطها في نهاية عام 2008، وهو عام التضخم الكبير.. لذلك، فإن التأخر في إيقاف التحفيز قد يكون له عواقب خطيرة لأنه خلال شهور قليلة قد يعمل التضخم بقوة الدفع الذاتي، ويصعب إيقافه، وخاصة أن توجهات النشاط المحلي تستجيب للتحفيز أكثر من استجابتها للتكميش..

(*) محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد