في الوقت الذي احتفى فيه العالم العربي بيوم البيئة العربي 2009 المصادف ليوم الرابع عشر من أكتوبر، عانت مدينة الجبيل من تلوث بيئي خطير تسببت به مياه الصرف الجارية في شوارع المدينة الرئيسة. التلوث البيئي جاء متزامنا مع خطر إنفلونزا الخنازير، وظاهرة (حمى الضنك) التي توشك أن تنتقل من الساحل الغربي إلى الساحل الشرقي، وشاهداً على التناقض التام بين واقع الحال، واحتفائية الهيئات والشركات المفرغة من مضامينها، والموجهة للاستهلاك الإعلامي.
تعتبر مياه الصرف غير المعالجة من أخطر الملوثات على صحة الإنسان وسلامة البيئة ما جعلها من المحرمات وفق قوانين الصحة العالمية. تنتشر البكتيريا، الفيروسات، والطفيليات في مياه الصرف الصحي مسببة انتقال الأمراض الخطرة كالتايفويد، الكوليرا، شلل الأطفال، والأمراض الأخرى. وجود المعادن السامة في مياه الصرف كالرصاص والزئبق يؤثر سلباً في صحة الإنسان وبخاصة أدمغة الأطفال.
توقفت محطات الضخ البالية عن العمل بعد أن حملت فوق طاقتها الاستيعابية بأضعاف كثيرة، ولم تجد مصلحة المياه والصرف مناصاً من إعلان حالة العجز بعد أن أعياها التعب في الحصول على أرض حكومية بمساحة 500 ألف متر مربع لإنشاء المحطة الرئيسة التي يُفترض أن تحل مشكلة المدينة الأزلية.
مباحثات مطولة أجرتها مصلحة المياه، والسلطات المحلية مع الجهات الحكومية المسيطرة على مساحات الأراض الشاسعة المحيطة بمدينة الجبيل. انتهت المباحثات مثلما بدأت بعد أن اعتذر الجميع عن المساهمة في توفير أرض المشروع الكفيلة بالقضاء على المشكلة.
أرامكو السعودية حازت على ما تبقى من مساحات شاسعة خارج المدينة بحكم الامتياز الحكومي ما جعلها تحتكر جزءاً لا يستهان به من الساحات المحيطة بالجبيل. منذ أكثر من ثلاث سنوات ومشاكل الجبيل البيئية لا تعد ولا تحصى، بدءاً من تلوث الأجواء بعوادم صناعة البتروكيماويات في المنطقة الصناعية، مروراً بالتلوث البيئي الذي تحدثهُ معامل الغاز التابعة لشركة أرامكو السعودية القريبة من النطاق العمراني، والتلوث الناجم عن محطة تحلية المياه، وانتهاء بتلوث الصرف الصحي القذر الذي تحول إلى أنهارا جارية يهدد سكان المدينة بالأمراض الفتاكة.
من أغرب الحلول المطروحة لمعالجة مشكلة الطفح والتلوث، ضخ مياه الصرف إلى البحر لتجفيف شوارع المدينة، وهي كارثة بيئية لا يمكن القبول بها، أو حتى السماح بتداولها بين المسؤولين.
يكمن الحل الأمثل في توفير قطعة الأرض التي يمكن أن تُنشأ عليها المحطة المركزية، إضافة إلى توفير الميزانية الكافية لتحديث محطات الضخ البالية التي انتهى عمرها الإفتراضي قبل عدة سنوات، ومن ثم ربط نظام الصرف في المدينة مع نظام الصرف المركزي لشركة مرافق في المدينة الصناعية.
لا أعتقد أن هناك مشكلة في توفير الأموال اللازمة لتنفيذ مشروع المحطة المركزية عطفا على ميزانية الدولة التوسعية لهذا العام، لذا تبقى المشكلة في توفير الأرض المناسبة التي أعتقد أن أرامكو السعودية باتت الجهة الوحيدة القادرة على توفيرها في الوقت الحالي.
تحتجز أرامكو مساحات شاسعة من الأرض غير المستغلة في الجبيل، وهي مطالبة بالتنازل عنها لمصلحة الوطن والمواطنين.
أجزم بأن صحة الإنسان وسلامة البيئة أهم لدى أرامكو السعودية من محجوزاتها غير المستغلة، وغير المدرجة ضمن المشروعات المستقبلية للعشرين سنة القادمة. لا بد من تحديد المواقع المناسبة لإنشاء المحطة ومخاطبة الجهات العليا لإتمام عملية التنازل قبل أن تتحول مشكلة الطفح الأزلية إلى كارثة بيئية تهدد صحة الإنسان وسلامة المدينة.
أشك في قدرة المؤسسات، والإدارات الحكومية في توفير أرض المشروع المُقترح لأسباب بيروقراطية كثيرة، وهو ما يدفعنا إلى رفع مُعضِلَة إيجاد الأرض المناسبة لإقامة مشروع المحطة المركزية إلى المقام السامي الكريم، وهو أملنا الأخير بعد الله سبحانه وتعالى. والله المستعان.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM