الذي تتبَّع خطب الرئيس باراك أوباما أثناء حملته الانتخابية يعتقد أنه ضد الحرب، وأنه بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض سيعمل على سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، إلا أن الذي يتكلم وهو خارج نطاق السلطة غير الذي يفعل عندما يكون داخلها، وهذا بالضبط ما حدث للسيد الرئيس الأمريكي أوباما الذي وجد أن بلاده متورطة جداً في هذين البلدين اللذين احتلتهما القوات الأمريكية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. ولكي يوجد الرئيس أوباما مبرراً لبقاء القوات الأمريكية في العراق وزيادتها في أفغانستان وتوضيح موقفه أولاً للشعب الأمريكي، ومن ثم للرأي العام العالمي، ابتدع أسلوباً من التلاعب بالمصطلحات. ويرى الدكتور مهند العزاوي، مدير مركز صقر للدراسات الاستراتيجية، أن الرئيس أوباما تبنى ما أسماه ب(حرب الضرورة) (war of necessity) على أفغانستان، وبذلك لا تغيير في النزعة العسكرية والحربية الأمريكية، بل اتجه الرئيس الأمريكي وجنرالاته إلى فكرة نقل تجربة (الصحوة) وتفتيت البنى التحتية الاجتماعية والحرب الديموغرافية من العراق إلى أفغانستان، ولم تجد منفذاً لها هناك؛ بل ازدادت وتيرة العنف والهجمات واستخدام القوة المفرطة؛ ما ولَّد رد فعل عكسي، وتعالت أصوات من داخل أمريكا تطالب بالانسحاب وإنهاء الحربين في العراق وأفغانستان، وكذلك مطالب للتفاوض مع طالبان لإنهاء الحرب. وتندرج الحرب في أفغانستان تحت ما يسمى ب(الحرية الدائمة)، وأضحت شعارات الديمقراطية محركاً للحرب، وجاءت هذه الحرب وفق إرادة مزدوجة استراتيجية واقتصادية تذكيها عقيدة دينية متشددة وفق فلسفة (هنغتون) واقتصادية وفق فلسفة (بريجنسكي) وموشحة بالحرب العالمية على الإرهاب، وأبرز دوافع تلك الحرب هي: المخدرات، شبكة نقل النفط، شبكة نقل الغاز، نفط بحر قزوين، الحصول على رقعة متقدمة في القوقاز نحو الهيمنة غير المباشرة على كل من الهند والصين وروسيا وكوريا الشمالية؛ تمهيداً للهيمنة الكاملة وفق مفهوم برزنسكي.
ويكابر قادة الحرب الأمريكان بسيطرتهم العسكرية وهم في وضع سلبي للغاية من الناحية العسكرية والاستراتيجية، وميدانياً باتت طالبان تسيطر على ما يقارب 80% من أفغانستان وتمارس مزاوجة القوة الصلبة والناعمة بحرفية عالية؛ حيث تترك خياراً لأمريكا بمغادرة أفغانستان وإنهاء الحرب فيها بدلاً من الهزيمة العسكرية.
ماذا سنخرج من هذا التحليل للباحث د. مهند العزاوي..؟!!
نخرج بأن الرئيس أوباما يجد نفسه ملزماً لتحقيق مصالح أمريكية، بغض النظر إن كانت أطماعاً وفق المفاهيم الأخلاقية التي تدغدغ بعض رومانسيي الحزب الديمقراطي، إلا أنه في النهاية رئيس لكل أمريكا بما تحتويها من مؤسسات ضغط، من جنرالات وأفراد والمؤسسة العسكرية ومصانع الأسلحة، فضلاً عن القوى السياسية المحافظة التي ترى في الحرب الاستباقية محاولة وقائية لتعزيز الأمن القومي الأمريكي.
ولكن مع هذا فإن الورطة الأمريكية كبيرة في أفغانستان، وستجرف أوباما للتورط أكثر فأكثر، وتفرض عليه أن يقتطع أموالاً كثيرة لتمويل المجهود الحربي.
يقول (ريتشارد هاس) عن السياسات المتَّبعة في أفغانستان إنه (ما زال في حالة ارتعاش وتعرجات) (wavering and meandering) بعدم التسرع في إرسال تعزيزات كبيرة، وبالنتيجة تحاشي تحذيرات الجنرال (Stanley McChrystal) القائد الأمريكي لقوات الناتو، في تقريره السري الذي تسرب مؤخراً من أن (الموارد وحدها لا تكسب هذه الحرب، لكن عجز هذه الموارد يمكن أن يقود إلى خسارة الحرب.. كافة الجهود العامة المبذولة آخذة بالتدهور.. نحن نتعرض لخطر هزيمة استراتيجية).
وبالفعل فإن أمريكا بكل أوساطها السياسية والعسكرية - طبعاً إذا ما نحينا دعاة الحروب - بدأت تستشعر مخاطر هزيمة استراتيجية في أفغانستان، وما لم تُعِد إدارة أوباما حساباتها دون الخضوع لضغوط قوى الضغط السياسي ومصانع الأسلحة وتُنحِّ الحلول العسكرية وتتخلَّ عن غطرسة القوة واستعباد الشعوب فإن أمريكا متجهة إلى الغرق أكثر فأكثر في وحل الحرب الذي سيفرض عليها مزيداً من استنزاف الأموال والمكانة والنفوذ السياسية.
jaser@al-jazirah.com.sa