Al Jazirah NewsPaper Tuesday  20/10/2009 G Issue 13536
الثلاثاء 01 ذو القعدة 1430   العدد  13536
المنشود
الشيخ صالح الحصيّن.. أبٌ عنه أتحجب!!
رقية سليمان الهويريني

 

أحرص على حضور ملتقيات الحوار الوطني لأسعد بسماع كلمة توجيهية جميلة من لدن الشيخ الدكتور صالح الحصيّن رئيس شؤون الحرمين الشريفين، ورئيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.

وحرصي على الاستماع إلى حديثه الشجي يأتي من عاطفة قوية لا أخجل إطلاقاً من التصريح بها مهما كانت ردود فعل من أمامي! لدرجة أن كثيراً من أحبائي يتصلون بي عند كل ظهور للشيخ مع الملك في التلفزيون، فرؤيته مغنم وحديثه مكسب!

وتأتي عاطفتي الصريحة ومشاعري الفياضة نحوه لأسباب قوية، أستشعرها في نفسي وأتيقن من حقيقتها، وهي علم الشيخ الوفير، وبساطته اللامتناهية، وتواضعه غير المحدود برغم ضخامة منصبه، وميله للزهد النبيل والتقشف السامي البعيد عن الرياء والنفاق، يدل على ذلك ورعه وهيئته ونحول جسده، أما نزاهته فتبزغ وتكسو وجهه بريقاً وشعاعاً وسطوعاً!

ولست أعلم كيف استطاع الشيخ حلَّ معادلة معايشة الزهد وإظهار أثر النعمة! محققاً صفة الرجل الشاكر لنعم ربه الذي لا يرد موجوداً ولا يطلب مفقوداً، استناداً إلى رأيه الحصيف ب(إن الرجل الرشيد إذا كان لديه رصيد ودخل كبير، فإنه يستهلك من أمواله ما يحتاج، ثم ينفق ما بقي لمستقبله الذي أمامه، ليس مستقبل الدنيا فحسب، بل الآخرة). ولعلكم لمستم أحد أسباب إعجابي بهذا الرجل الحكيم!

تقاعد الشيخ صالح عند الحد الأدنى للسن التقاعدي حين كان وزير دولة عام 1391ه. ويبرر سبب التقاعد بقوله: (وجدت حينها أن راتبي قد أصبح 10.000 ريال، وإذا تقاعدت سأحصل على 5000 ريال، وهو مبلغ كاف لأن يوفر لي حياة في منتهي الرفاهية! ماذا سأعمل بما يزيد على هذه الخمسة آلاف لو انتظرت؟!)، وهذا سبب آخر يجعلني أحترم هذا الرجل الزاهد!

والدكتور صالح عالم بصير في الفكر الإسلامي عامة، وفي الاقتصاد والتشريع خاصة، وله بحوث في هذا المجال. وحين يكتب بحثاً يبعثه لعدد كبير من الأشخاص لقراءته ونقده وتصويبه والإضافة إليه، وهذا الأمر ليس هو آخر ما دفعني لتقدير هذا الرجل المتواضع!

وشيخنا الجليل مهتم بالعمل الخيري والإنساني محلياً ودولياً, دون ضجيج إعلامي، ومساند قوي له وحريص على تصويب مسيرته، وتحسين أدائه.

ومن المؤكد أنكم أصبحتم تعذرونني على محبتي الخالصة لهذا الرجل الورع، النافر من كل بريق وبروز إعلامي أو تكلُّف شخصي!

والعجيب أنه يخاف من الحديث للصحافة مبرراً ذلك بقوله: (في علم النفس البشرية هناك حالات تعاني من الخوف غير المبرر كالوحيد في الصحراء، أو المطل على جدار عال. أنا واحد من هؤلاء. فعندي فوبيا صحافة).

وفي سفينة الحوار الوطني هو الربان الماهر في قيادة دفتها، والوصول بها إلى بر الأمان. وبرغم تباين الأطياف وتنافرها إلا أنه حاذق بإدارة الحوار، قادر على استيعاب من حوله واحتوائهم، مبتعد عن تصفية الحسابات والتحيز لطرف دون آخر، مقترب لتصفية الأفكار الصحيحة وصولاً إلى وحدة الأمة والتلاحم الوطني، مُجيد لغسل القلوب بكافة طوائفها وانتماءاتها وفئاتها. وأرجوكم لا تمنعوا إفراطي بإكبار الأب الودود الحنون الحريص على مصلحة وطنه.

إن تواصلي الروحي والعقلي والفكري مع هذا الرجل الكريم بطبعه لا يمكن أن يكون بهذه الصورة المفرطة بالإعجاب، لولا أنني اخترته من بين عباد الله كلهم أن يكون لي أباً بعد أن فقدتُ أبي في سن الطفولة، فطفقت أسعى وأرنو في كل الوجوه بحثا عن أب به أفتخر، وله أفزع، وإليه أسكن حين تعصف بي رياح الحيرة وتثور براكين التردد. فهو أبي الحنون؛ بيدَ أني عنه أتحجب، ولولا ذلك لتناولت يده لأقبلها لأنه لا يسمح لأحد بتقبيل رأسه! فتقبيل يده أولى وأجدر!



rogaia143 @hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد