ليس من باب المبالغة أو التحيز أن نقول: إن الإعلام يمثل قيمة خاصة لناحية تداخله اللحظي اليوم مع اهتمامات الناس في الجوانب المختلفة المتعلقة بالترفيه والأخبار والمعرفة، كما تفوقه في جانب المعلوماتية، وإذا ما تذكرنا وسائلنا الملتصقة بنا طوال اليوم، صحف، إنترنت، هواتفنا المتحركة، والريموت كنترول، ومن المواقع الإلكترونية التفاعلية، إلى خدمات الجوال الإخبارية الفورية، تظهر المؤسسات الإعلامية متفوقة في الانتشار والحضور ومسيطرة على التدفق المعلوماتي.
لكن هذه الأهمية متروكة للتجربة، فجانب التأهيل والتدريب وخلق كوادر متقدمة في الصناعة الإعلامية أو المعلوماتية تحديداً، والفرص المتاحة للتدريب هي في الحقيقة محدودة جداً، إن لم تكن معدومة، الأمر الذي يجعل الإعلاميين والراغبين بالجديد في عالم المعلوماتية أو الممارسين للإعلام الجديد يواجهون عجزاً واضحاً يمنعهم من تطوير إمكاناتهم ومعلوماتهم والارتقاء بمهنيتهم ومهاراتهم.
وتعد مراكز التدريب المهنية الإعلامية والمعلوماتية شبه مفقودة، والتجارب المتاحة على نطاق ضيق هي غير مهنية بالشكل اللائق، والكثير من الإعلاميين العرب يفضلون الاتجاه إلى خارج محيطهم للبحث عن فرص لائقة للتدريب والتأهيل الإعلامي، لكن ذلك يتطلب مغامرة شخصية غالباً، وقد لا يحظى أبداً بمساندة ودعم المؤسسة الإعلامية، والتي لديها استعداد أحياناً للمغامرة في مشاريع إعلامية تسبب لها خسائر مادية كبيرة، لكنها في الوقت ذاته ليست راغبة في استثمار ضئيل، في التدريب والتأهيل لمنسوبيها، وتتجاهل عن قصد أو بدونه - هذه القيمة التي يمكن أن تضمن استمرار نجاحها وريادتها. لكن هذه الأهمية في التأثير لا يقابلها -مثلا- اهتماماً بالقدر الكافي من هيئة الصحفيين وكليات الإعلام وأقسامه حتى الآن بأدوات الإعلام الجديدة.
من المهم أن تتذكر المؤسسات الإعلامية أن البارزين في إدارتها الإعلامية والصحفية ليسوا بالضرورة قادمين من تخصصات إعلامية، لكن بروزهم انطلق من موهبة ورغبة شخصية، وحتى الدارسين للإعلام انطلقوا إعلامياً قبل انتهاء تحصيلهم، ومخرجات الكليات الإعلامية الأكاديمية لم تقدم - تقديريا - إلا أقل من 20% من خريجيها لمهنة الإعلام، لأن الغالبية العظمي ذهبت للعمل الحكومي المريح أو اختارت شركات شبه حكومية ومؤسسات مصرفية، لكن المغامرين بالتفرغ للعمل الإعلامي مهنياً وفنياً ليس لهم من يكافئ مخاطرتهم أو يرعاهم، إلا مبادرات فردية، لكنها دون منهج أو برنامج مؤسساتي يضمن الاستمرارية.
فالتدريب والتأهيل متروكان للحظ والصدفة،وبعد أن تغامر لتكون إعلامياً تحتاج حظاً للمزيد من التأهيل.