كان ولا يزال وسيظل للشجرة دور بارز ومهم في حياة البشر والكائنات المختلفة، فقد ارتبط بها الإنسان منذ بدء الخليقة، ونهى الله آدم وزوجه حواء عن أكل الشجرة، فعصيا فأكلا منها فأخرجهما الله من الجنة، وعبدت بعض القبائل والشعوب بعض الأشجار وقدستها،
ولا تزال الأشجار من أهم مصادر الطعام والغذاء للكائنات المختلفة، بالإضافة إلى استخدامها وقوداً، وأدوات للبناء، واستخدام أوراقها في صناعة الورق، ويرصد العلماء فوائد كثيرة للأشجار تصل إلى عشرة آلاف فائدة من أهمها تقليل التلوث حيث تعمل النباتات على زيادة الأوكسجين في الهواء الذي نستنشقه وهو بداية السلسلة الغذائية لجميع الكائنات الحية من خلال عملية التمثيل الضوئي وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعتبر من أهم مسببات التلوث، ومن فوائد الأشجار والنباتات جعل الأجواء لطيفة عن طريق عملية النتح وتحسين المناخ، فالشجرة المتوسطة تمتص يومياً 107 كغ من ثاني أكسيد الكربون، وتنتج يومياً 140 لتراً من الأوكسجين تقريباً، ووجود النبات والأشجار في مكان يؤدي إلى خفض درجات الحرارة خاصة في فصل الصيف، وتفيد الأشجار في تخفيف وهج أشعة الشمس وخاصة في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، والأشجار تساعد في تخفيف الضوضاء، وامتصاص الأصوات التي تسبب أضراراً كثيرة لصحة الإنسان، وتساعد الأشجار في مقاومة التصحر عن طريق تثبيت التربة بجذورها المنتشرة في أعماق الأرض، ووقف زحف الرمال بأغصانها وفروعها المنتشرة فوق الأرض، وتساعد في التخفيف من العواصف والأتربة التي تتعرض لها المجمعات السكنية والمدن المختلفة، هذه العوامل وغيرها تحتم على الجميع العمل على حماية الأشجار، والعمل على زراعتها، وخاصة الأشجار المثمرة التي تتعدد فوائدها للإنسان والكائنات المختلفة والبيئة، فقد جاء في الحديث أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها..!!
ولكن مما يؤسف له هناك فئة من المجتمع لا تنظر إلا إلى مصلحتها المادية الآنية، ولا تتورع عن ارتكاب جرائم ضد عناصر البيئة، تجد بعضهم يغتال في وضح النهار عدداً من الأشجار، ويقوم بقتلها عن تعمد وترصد وإصرار، جاء أحدهم إلى شعب فيه أعداد من أشجار السلم والسمر، تقتات منها الإبل والنحل وبعض الكائنات الأخرى، وصل ذلك المجرم البيئي كصياد يبحث عن طرائد وفرائس في البرية، وبعد أن بيت ما بيت في نفسه من نية للقضاء على تلك الأشجار وتحويلها إلى حطب، عاد إلى منزله، وفي اليوم التالي أحضر معه عبوة مملوءة بمادة تقتل الأشجار، وسكب شيئاً منها في أسفل جذع كل شجرة، وحتى يغطي على أداة القتل دفن تلك المادة بالرمل والتراب، وعاد أدراجه، وبقي بين وقت وآخر يزور ذلك المكان ليرى مفعول عمله المشين، فبدأت الأشجار تصفر، وبدأت أوراقها في التساقط، ورويداً بدأت تلفظ أنفاسها واحدة بعد الأخرى، وفي غفلة من الرقيب، جاء بمنشاره الآلي، وبدأ يحصد ما جنت يداه، ويجمع أشلاء تلك الأشجار في سيارته ويأتي بها إلى المدينة الكبيرة ليبيعها بعدة مئات من الريالات، ولم يعلم ذلك المعادي للبيئة أبعاد جريمته، فكم جملا حرمه من مصدر رئيس من مصادر غذائه الطبيعي، ولسان حاله يلعن الجاني على قطع مصدر من مصادر رزقه، وكم من نحل كان يقتات من رحيق تلك الأشجار حرم من ذلك المصدر، ولسان حاله يلعن من كان السبب، وحرم مرتكب تلك الجريمة ضد البيئة الكائنات من مصدر من مصادر الظل والأوكسجين، ومصادر امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وترطيب الهواء، وتثبيت التربة، إن هذه الجرائم تتكرر في كل واد من أوديتنا، وتؤدي إلى إضعاف الغطاء النباتي، ومن ثم إلى تفاقم المشكلة البيئية، في وقت توفرت فيه مصادر الطاقة، ويمكن توفير الحطب لمن يريد أن يحيي بعض الليالي الرومانسية عن طريق الاستيراد من البلدان التي تموت فيها الأشجار واقفة، ويتجدد فيها الغطاء النباتي في أوقات قياسية لكثرة أمطارها، وخصوبة تربتها، إن على الجميع مسؤولية في مكافحة هذا النوع من الجرائم ضد البيئة التي تعتبر جرائم ضد الإنسانية وضد الكائنات المختلفة، والله من وراء كل شيء.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
zahrani111@yahoo.com