Al Jazirah NewsPaper Tuesday  20/10/2009 G Issue 13536
الثلاثاء 01 ذو القعدة 1430   العدد  13536
الحبر الاخضر
البُعد الوطني في صلاة الاستسقاء
د. عثمان بن صالح العامر

 

بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أُقيمت صباح يوم أمس الاثنين صلاة الاستسقاء، وهي كما يعلم الجميع صلاة مخصوصة بهيئة محفوظة شرعها الله عز وجل لعباده المسلمين من أجل طلب المطر من السماء، ومع أن الصلوات كلها عبادات محضة لله عز وجل إلا أن المتأمل في هذه الصلاة بالذات يلحظ أنها لا تُقام إلا بأمر الإمام الذي يختار يوم إقامتها فيُوجه خطابه للشعب عبر وسائل الإعلام المختلفة للمشاركة في هذه الشعيرة الدينية - الدنيوية، وعلى رأس المشاركين في هذه العبادة المعروفة ذات السبب المحدد والوقت المعين من الإمام في جميع المناطق (المدن والمحافظات والقرى والهجر) على رأسهم جميعاً الحاكم الإداري في المنطقة ممثل الملك، صاحب السمو الملكي الأمير...، ومن خلفه كبار المسئولين ورجال الأمن العام والمواطنون، والمبرر لإقامتها كما يعلم الجميع سبب دنيوي صرف ألا وهو الحاجة للماء الذي هو سر الحياة وعنوان البقاء.. وصدق الله القائل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، إضافة إلى ما سبق، فإن في هذه القراءة المختزلة والبسيطة لهذا الشعيرة العظيمة ما يلي:

* تربية المسلم على أهمية الارتباط في الله حين طلب أساسيات الحياة ومتطلبات البقاء على هذه الأرض، وعلى رأسها الماء، أغلى سلعة في الوجود بعد الهواء، ومع ذلك لا ثمن لها يُذكر، بل ربما تكون أرخص بكثير من كثير من التحسينات في حياتنا اليوم، بسبب بسيط ومنطقي ألا وهو أن الله عز وجل جعل العرض أكثر بكثير من الطلب، وأمر بأن يكون الماء مشاعاً بين الناس (ملكية جماعية)، والقاعدة الاقتصادية تقول: (كلما زاد الطلب وقلَّ العرض ارتفع السعر.. وكلما زاد العرض وقلَّ الطلب انخفض السعر)، والماء العرض مرتفع والطلب كذلك مرتفع إلا أن العرض أكثر ولله الحمد والمنة، ومتى تغيرت المعادلة لأي سبب من الأسباب اختلت الموازين وتبدلت الأحوال وربما كانت الحروب والمنازعات وقد يهلك الناس، ولعظم أمر هذا الاختلال وشدة وقعه على بني آدم شُرعت هذه الصلاة وندب الله عز وجل المسلمين الرجال والنساء الصغار والكبار للمشاركة فيها، ولكون خير من يُقدِّر مثل هذه المصالح الجماعية الإمام فقد جعل الله عز وجل أمر إقامة هذه الصلاة بيده فهو من يقرر متى وأين تقام؟

* ارتباط السياسي بالديني، فالحاكم في الإسلام تقوم فيه سلطتان معاً (السلطة السياسية والسلطة الدينية)، ولا يستلزم من هذا القول بأنني أتبنى الدعوة للثيوقراطية التي تتناقض مع الدولة الديمقراطية، فالتكوين للدولة الإسلامية له استقلاليته وصبغته الخاصة التي يعرفها أهل الاختصاص والباحثون المنصفون الصادقون مع أنفسهم ومجتمعاتهم حتى ولو كانوا غربيين.. إن النظام الإسلامي نظام فريد.. الإمامة فيه ليست منصباً إلهياً يرتبه الله تعالى لمن ارتضى من البشر شأنها شأن النبوة والرسالة - كما هو معتقد جمهور الشيعة -، والحاكم ليس مطلق السلطات، حكومته مقدسة، لها كل ما للإله من سلطة كما هو الحال في الدولة الدينية البابوية (النظام الثيوقراطي)، ولا هو كالنظام الديمقراطي الذي يقوم بالأساس على الفصل التام بين ممارسة السلطة والبناء العقدي للشعب، ويمنح هؤلاء البشر حق التشريع فيحلون ويحرمون، يعطي العقل البشري القاصر المحدود الخاضع لتأثير النزوات والأهواء ما هو حق لله عز وجل!!، ولكنه نظام مستقل يشبه الديمقراطية في بعض الوجوه ويختلف عنها في وجوه أخرى فالسيادة فيه مثلاً للنص وليست للأمة، والأمة هي صاحبة السلطة تفوض الحاكم في ممارسة الحكم نيابة عنها وهو مسئول أمامها، والقضاء له حرمة خاصة، والقضاة في هذا النظام مستقلون لا سلطان عليهم سوى سلطان الحق والعدل الذي جاء به التشريع الإسلامي الصحيح.

* إن لهذه الصلاة أبعاداً عدة، عقدية - دينية كالتوكل على الله واعتقاد بأنه هو من ينزل الغيث، ووطنية، جماعية فالأمر بإقامة هذه الصلاة جاء من الملك ولأمر يحقق المصلحة الوطنية، وذاتية، آنية فالماء أهم عناصر البقاء لك على هذه الأرض، ولذا فقيمته عندك مرتفعة جداً وإن كان ليس له سعر في السوق أو أن سعره رخيص مقارنة بقيمته الحقيقية.

* رمزية قلب الرداء في نهاية هذه الصلاة لها دلالات ضمنية عدة أهمها الحاجة للتغيير حتى في أبسط الأشياء من أجل أن ينظر الرب لعباده بعين الرحمة واللطف والشفقة، وللرمزية في الإسلام حديث آخر أتركه لحينه وإلى لقاء.. والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد