كثيرة هي الكتب التي قدمها الزميل الأستاذ خالد بن حمد المالك في الآونة الأخيرة.. تنوعت بين التأصيل التاريخي للمدن الإسلامية وأدب الرحلات ومحاضرات المنابر، والكتابة عن الشخصيات السياسية والمواقف المهمة، جاء الكتاب الأخير الذي أثار عندي دافعاً جعلني أتجاوز المحاذير التي تقف حاجزاً أمام الحديث عن رئيسك في العمل؛ خوفاً من الوقوع في مواقع التزلُّف، أو حتى اتهام البعيدين الذين كثيراً ما يتسرَّعون في إلصاق الاتهامات، حتى وإن لم يعرفوا الحقيقة، وهم هنا الذين لم يقرأوا كتب خالد المالك الأخيرة.
الكتاب الأخير (عيناي تدمعان) كتاب ليس إنسانياً وعاطفياً فحسب، بل هو يزخر بالوفاء فتلك صفة يعرفها القاصي والداني عن خالد المالك، ولكن، وهذا الأهم، سجل حفل برجالات الوطن الذين فقدانهم، فجاء كتاب خالد المالك ليثبَّتهم في ذاكرتنا.
إذن، فهو كتاب، كما أثبت ذلك ناشره في التعريف بالكتاب، قراءة في دفتر الذاكرة المثقلة بالغائبين الحاضرين، وفيهم الوالد والابن الذي لم يكن يبلغ الحلم، والحاكم الذي اعتلى كرسي الحكم، وبينهم الأخ والخال وابن العم والأمير والوزير والشاعر والمدير والشيخ والمعلم والزميل والحبيب، بل وامرأة وصحيفة مثَّل غيابهما غياب الوهج الجميل والأثير توليفة لكل ما يهمنا وما يحيط بنا من بشر فاعلين ومؤثرين.
استدعاءات خالد المالك لمساحات الحزن الشاعري الهادئ في كتابه الأخير إضافة مهمة للمكتبة السعودية؛ فهو يقدم عملاً تراكمياً ينضم إلى أدب المراثي والرثاء، وفي الوقت نفسه يحيي الذاكرة وينعشها بعطر رجال طرَّزوا تاريخ بلادنا بمواقف تحتم على الناشئة والأجيال معرفة تاريخهم ومناقبهم وأفعالهم التي لا تُنسى.. ليس فقط من القادة والأمراء والوزراء، وهم يستحقون أن نرسخ معرفتهم بالذاكرة، بل أيضاً التعريف بالرجال الذين أسهموا في تطور تاريخنا وأدبنا وصحافتنا، وقبل ذلك، من كانوا سببا في قدومنا لهذه الدنيا.. آباؤنا.. ثم من نحيا ونعمل من أجل إسعادهم.. أبناؤنا.. وهو ما ضمَّنه خالد المالك في كتابه الأخير الذي ليس فقط يستحق أن يُقرأ، بل وأيضاً أن يحتفظ به المرء كسجل لمآثر من صنعوا مجد هذا البلد.
jaser@al-jazirah.com.sa