تستطيع عن طريق وسائل التقنية وصناعة العلاقات العامة أن تكسب في اليوم ألف صديق -كما نسميهم بمفهوم هذا الزمان- لكن بمجرد غيابك ولو ليوم واحد، أو تعطل جهاز الحاسوب الخاص بك وضياع ما فيه من معلومات، لن يتذكرك أحد ولن يتلهف لرؤيتك أحد، وسيستبدل اسمك بصديق آخر. ومن الناحية الأخرى لن تشعر بذلك الندم الذي كنت تشعر به عندما تفقد صديقاً، وستنشئ بدورك قائمة جديدة لأصدقاء جدد.
الأمر بهذه البساطة
نحن نصنع التواصل مع الناس، فنحضر مناسباتهم وندعوهم لمناسباتنا، وربما نجتمع معهم في أماكن كثيرة، لكننا نفعل هذا من باب تمام الأداء، ونجرد ما نفعله من مشاعرنا ودفنها، فيتغلف حضورنا أو غيابنا بقيمته الشكيلية المصنوعة دون أن يحدث أثراً يبقى في نفوس الآخرين، حتى إذا غبنا نسينا من كنا معهم ونسونا بدورهم.
وقد تتفاجأ بعد أن كبر ابنك أنك لا تعرفه على الرغم مما اجتهدت فيه من وسائل عصرية للتربية، بينما تجد ابن جارك الأمي أكثر براً والتصاقاً به وهو لم يكلف نفسه عناء ما كلفت نفسك به، وأهمل كل وسائلك العصرية الحديثة وقراءاتك العلمية واهتم فقط بإظهار مشاعره الصادقة لابنه بعفوية دون تكلف أو اجتهاد. وعلى الرغم من كثرة أخطائه حقق النتائج التي لم تحققها أنت على قلة أخطائك.
اليوم كل شيء صناعة، والصناعة قد تحقق تمام الأداء بمقاييسنا الإنسانية، وتهتم بتفاصيل الإعداد والتهيئة، وبوجود عوامل تساعد على الوصول للأهداف، لكنها تهمل الأساس وما هو أهم، تهمل المشاعر التي تحدث في النفوس أثراً أبقى وأقوى من تمام الأداء، فيغيب الجمال والعفوية والحب، فيفقد ما نصنعه وإن كمل حرصنا عليه أو اهتمامنا به ولا يحدث فينا ما يفترض أن يحدثه لأنه لا يحاكي ما تطلبه نفوسنا من مشاعر.. والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com