Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/10/2009 G Issue 13533
السبت 28 شوال 1430   العدد  13533
شيء من.. الرفق واللين!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

لست أدري لم أعجبتني كلمة رئيس المجلس الأعلى للقضاء - الشيخ الدكتور -: صالح بن عبد الله بن حميد، في - الملتقى العلمي الأول للأئمة والخطباء - بجامعة طيبة، حين أكد على: أن التحدي هو القدرة على التوازن، والتزام الرفق واللين، والاقتداء بالنبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم -.

من طبيعة البشر أن تجذبهم الكلمة الطيبة، والعبارة اللطيفة. وإذا أردت أن تستمع إلى ألحان عذبة، فما عليك إلا أن تعرف كيف تعزف على وتر القلوب بالانسجام مع أصحابها، وذلك لا يكون إلا بالرفق واللين، والتلطف في المعاملة. ومحاذرة آثار سخط الناس، كعجب الإنسان بنفسه، ورؤية قدره فوق أقدار الناس.

ولا فائدة من علم يخزن في العقول، دون العمل به. فالرفق واللين من أرقى أساليب التعاون بين الناس، إذ هما وقودا الحياة، وصداهما أقرب إلى القلب من الغلظة والقسوة، وبهما يمكن تأليف القلوب: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}قال قتادة: لقد برأه الله من الفضاضة والغلظة، فجعله سهلا سمحا، رحيما بالمؤمنين قريبا منهم - صلى الله عليه وسلم -.

وإذا كان موسى - عليه السلام - أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه، هكذا قال القرطبي. وقال الزمخشري في تفسير قول الله: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، أي: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين، من غير فضاضة ولا تعنيف.

إن قاعدة الرفق لا يعدلها شيء، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. والنفوس منازل أصحابها، فإذا طرقناها فلنطرقها برفق ولين. فلا خشونة عند التعامل، ولا جفوة بعد التخاصم، ولا طغيان عند البغي، بذلك نؤسس لمجتمع متجانس تسوده المحبة والمودة، ونحمل صورة الإسلام النقية، ونعكس مرآته الساطعة، وشمسه المشرقة بلوحاته وصفحاته المضيئة. وكلما وصلنا إلى النهاية القصوى للتجربة، كلما أصبحنا أكثر ذاتية وتفرداً.

كم هو جميل أن يعرف الجميع، أن ضيق التواصل يؤدي إلى ضيق الأفق والرؤية والانغلاق، وأن النظرة الفاحصة المتزنة، تتطلب أن نترجم طريقة تعاملنا مع الآخرين بإيجابية. فالرفق واللين فن لا يتقنه إلا القليل، يكاد لا يطال إلا عبر أنفاس تنعشها الآمال، وتسبح في الآفاق بغير ساحل.



drsasq@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد