Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/10/2009 G Issue 13533
السبت 28 شوال 1430   العدد  13533
الخوف والتخفي
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

تختلف حكايات (المعلن) عن (المعمى) رغم انطلاقهما من مصدر واحد يقول أمام الناس ما يختلف قليلا أو كثيرا عما يقوله في مجلس خاص، وربما اتصل الأمر بمصالح وأحكام ومواقف يصرح للعامة حولها بغير ما يهمس به للخاصة؛ ما يجعل (العلنية) المرتبطة (بالشفافية) مرتهنة للمتاح والمباح والهوى.

** وفي ظل التجاذبات الاجتماعية المتصلة ببعض القضايا الخلافية؛ فإن لبعض المتصدرين معرفة بوجود آراء أخرى يرجحها النص والدليل والمرجعية العامة، ثم يصرون على اعتناق رأي مضاد، ويسعون لإجبار سواهم على الالتزام به، دون أن يشيروا، ولو من باب المفضولية أو حتى الإحاطة، إلى الضفة الأخرى المقابلة لضفتهم.

** ربما كان ذلك مقبولاً حين كانت الأمية (العلمية) تحول دون استقاء الخبر والفتوى والمعلومة من خارج (الصندوق) الصغير الذي تنتهي إليه المعرفة الإنسانية بتصور تلك الفترة وحساباتها، أما حين انتشر العلم، وتعددت مصادر التلقي، وبات المعلوم أكثر من المجهول، وتداعت القيود والحدود والسدود فإن الحقيقة وحدها هي المخرج من الازدواجية التي قد يقع فيها العالم والإعلامي وذو الحظوة الإدارية والمالية.

** نفهم أن تجيء (السرية) في التنظيمات الحركية التصادمية، وكذا في الأدلجات المعتمة التي تثق أن النظرة المجتمعية النقية تقزمها، ويتذكر بعضنا الحملة التي أطلقها عالم الأحياء البريطاني (ريتشارد دوكنز) لإخراج أصحابه غير المؤمنين من (الخزانة) التي وضعوا أنفسهم فيها؛ فطلب منهم إشهار انتمائهم عبر حرف ( A)القرمزي المائل بوصفه رمزا لهم.

** نتفهم مبرراته وأصحابه المنطلقة من دعوته التي لا تجد لها أرضا في الأوساط المطمئنة المتجهة إلى ربها رغم افتراقاتها في مفهوم الربوبية، لكننا لا نفهم دوافع التعتيم على الرأي الآخر في القضايا الخلافية التي تمس العادات أكثر من العبادات، وكذا التحفظ عما ذاع وشاع ومحاولة التمويه على ما يراه الناس ويرددونه.

** والسؤال هنا: لماذا نلجأ إلى التناقض بين ما نعلنه وما نسر به إلا أن نكون غير واثقين من أنفسنا، أو الناس من حولنا، أو متخوفين من التداعيات التي قد ترسمها الحقيقة على واقعنا ومواقعنا، ولهذا بلينا بحوار الصمّ حول أمور لا تستحق لو طرحت الآراء كلها بما فيها الراجح والمرجوح، والرسمي والشعبي، والمتفق عليه والمختلف حوله، والأمة التي تريد إعادة بنائها يتصارح أبناؤها فيتصالحون، وحين لا يفعلون يسود التصنيف والتحاسد والإشاعات.

** كان لنا صديق يفتينا أحياناً بما لم نألفه، وحين نحاوره يؤكد أنها للعالم الفلاني المعروف لكنه لا يأذن بإعلانها، ونتحقق فنجد كلامه صحيحاً، ليعيدنا ذلك إلى المربع الأول الذي ترسمه هذه الرؤية.

* الشجاعة أن تكون نفسك.



Ibrturkia@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد