Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/10/2009 G Issue 13533
السبت 28 شوال 1430   العدد  13533
الرأي العام ونظريات الصمت في الدول النامية.. دوامة الصمت والأغلبية الصامتة
د. علي بن شويل القرني

 

اليزابيث نويل نيومان إحدى ابرز من أسهم في بناء نظريات الرأي العام، حيث قد وضعت نظرية من اشهر نظريات القرن العشرين في الرأي العام واقترنت باسمها وسمتها حلزونية الصمت، أو دوامة الصمت spiral of silence ، وهي ألمانية وحصلت على الدكتوراه

من الولايات المتحدة. وقد بنت رؤيتها ونظرياتها على دراسات متعمقة في الفلسفة والتاريخ والصحافة.. وخلال دراستها في الولايات المتحدة في الأربعينيات من القرن العشرين كونت تصورا عن قوة النفوذ اليهودي في وسائل الإعلام الأمريكية، وعندما عادت اشتغلت بالصحافة الألمانية وكتبت مقالا تاريخيا يشير إلى أن اليهود في أمريكا هم الذين يقودون الرأي العام، فهم يملكون الصحف، ويكتبون في الصحافة، ولديهم تأثير على صناعة الإعلان، فيمكن أن يحجبونه عن صحف ويعطونه لصحف أخرى.. ولربما كانت هذه الأفكار هي بداية تفكيرها في نظريتها عن دوامة الصمت، التي أطلقتها في السبعينيات الميلادية، ولاقت اهتمام أكاديميا واسعا والى اليوم وفي كل أنحاء العالم.. ولكن عملها في صحف نازية في عهد هتلر سبب لها مشكلات عندما كانت أستاذة زائرة في جامعة شيكاجو بالولايات المتحدة في مطلع التسعينيات، حيث نشرت عنها مقالات في صحف بما فيها نيويورك تايمز عن كونها معادية للسامية.. ولكنها وجدت من رد عنها في الصحافة الأمريكية، حيث إن نشرها لرسالة الدكتوراه التي حصلت عليها من جامعة ميزوري الأمريكية عن الرأي العام، وجد نقدا من وزير الدعاية الألماني جوبلز، الذي كان ينظر إليها على أنها تريد تلميع نفسها لتصل إلى وزارة الدعاية.. وهذا يعكس أنها لم تكون متصافية بالكامل مع الجهاز الدعائي النازي..

التقيت اليزابيث نويل نيومان في سان فرانسسكو في أحد المؤتمرات الدولية قبل سنوات، وكانت تعرض نتائج دراساتها عن الرأي العام، وتوزع كتابها الشهير الذي يحمل اسم نظريتها.. وكانت تدور بين الحضور تطلب منهم كتابة أسمائهم وعناوينهم للتواصل معها بخصوص كتابها ونظريتها ودراساتها.. وكانت مع زوجها قد أسسا مركز استطلاعات الرأي العام، وهو من أفضل مراكز الرأي العام في ألمانيا، كما اكتسب مصداقية كبيرة.. ولا شك أن دوامة الصمت هي من النظريات المهمة التي تحتاج إلى وقفة متأنية لمعرفة الرأي العام في أي مجتمع من المجتمعات، فهي تشير إلى ما أن ما نراه من استطلاعات الرأي العام في أي وقت من الأوقات قد لا يعكس توجهات الرأي العام الحقيقي.. فقد يعتقد الناس أن الرأي العام هو في اتجاه معين، وهذا ما يجعلهم يعبرون عن هذا الاتجاه، وليس بالضرورة عن اتجاهاتهم الحقيقية. وخوف الناس من الشعور بالعزلة الاجتماعية يجعلهم يعبرون عن آراء تتداولها وسائل الإعلام على أنها هي الرأي العام السائد في المجتمع.. وقد أثبتت اليزابيث نويل نيومان في دراساتها التطبيقية لهذه النظرية، أن تغيير الرأي العام من اصعب الأمور، لتمسك الناس بالرأي العام على أنه الرأي السائد في المجتمع.. وفي حقيقة الأمر - وهذا ما أثبتته - أن الرأي الشخصي قد يختلف عن الرأي العام، ولكن الناس تعبر عن آرائها في استطلاعات الرأي العام عن آراء الآخرين اكثر من التعبير عن الآراء الشخصية.. ولو جمعنا الآراء الشخصية في المجتمع لكانت تمثل رأيا آخر مختلفا عن الرأي السائد.. وهكذا يقل عدد الأشخاص الذين يجاهرون برأي مختلف عن رأي الجماعة، أو عن الرأي العام في المجتمع.. وتولدت من هذه النظرية نظريات أو فرضيات جديدة، بما فيه نظرية الأغلبية الصامتة التي تشير إلى أن الخوف قد يعيق التعبير عن رأي معين، ولهذا فيتشكل في المجتمع رأي صامت، لا يستطيع التعبير عن موضوع معين خوفا من وصفه بأنه رأي ضد التيار العام في المجتمع.. وقد حدث تطبيق لهذه النظرية في حرب فيتنام بسبب المظاهرات التي اجتاحت المدن الأمريكية والعواصم الغربية، حيث أشار الرئيس الأمريكي رتشارد نيكسون إلى أن الأغلبية الجماهيرية او الأغلبية الصامتة من المجتمع الأمريكي لا تتظاهر في الشوارع ولهذا يظن الناس أن اغلب الناس هم في جانب المتظاهرين.. وقد تبلورت الفكرة أكاديميا وتناولتها دراسات وبحوث في الرأي العام، وفي الإعلام بشكل عام..

وأخير، على الرغم من انتشار هذه النظرية في مجال الإعلام، وخاصة في التدريس الإعلامي في كثير من دول العالم، إلا أنه لم يكتب لها التطبيق الذي تستحقه هذه النظرية.. وكثير من بحوث ودراسات الإعلام في الدول النامية ركزت على نظريات أقل أهمية منها، وخاصة نظريات الاستخدامات والاشباعات، وهي من النظريات التي تعكس فقط واقع المشاهدة أو الاستماع أو القراءة لوسائل الإعلام، ولا تغير من هذا الواقع.. أما نظريات الرأي العام فهي عادة مرتبطة بحركة التغيير في المجتمع، ولهذا يقل الإقبال عليها، وتصبح من نظريات الرفوف وليست من نظريات الميدان.. من نظريات الوضع القائم، وليست من نظريات التغيير الاجتماعي..

* أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية


alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد