** لم يمر في تاريخ الكرة السعودية وتحديداً في حقبة الثمانينيات الهجرية لاعب بسرعة ومهارة وذكاء مهاجم الهلال السابق (زين العابدين) صاحب لقب أسرع هدف في تاريخ المسابقات المحلية عندما أحرز هدفه التاريخي في مرمى فريق التعاون (قبل دمجه مع فريق النصر عام 1384) في 7 ثوانٍ..!! وما زال يحتفظ بهذا اللقب حتى الآن.. مثَّل الهلال في تلك الأيام الخوالي وكان من أبرز الأسماء التي ساهمت في صنع أكبر إنجاز هلالي تحقق عام 1384 بحصوله على لقبي بطل كأس الملك وكأس ولي العهد كأول فريق محلي يجمع اللقبين وعمره التأسيسي لم يتجاوز سبعة أعوام..!! ثم انتقل عام 1385 لتمثيل الأهلي بدعم قوي ومباشر من باني الأمجاد الأهلاوية الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله- واستمر في الملاعب حتى النصف الثاني من عقد الثمانينيات وودع الكرة على مضض لظروفه العملية كضابط كبير في وزارة الداخلية آنذاك.
استضفناه عبر هذا اللقاء القصير.. ليحكي لنا أبرز الأحداث الرياضية التاريخية التي شهدها قبل 45 عاماً وعايشها مع الناديين العريقين نتناولها عبر الأسطر التالية:
البداية مع الأولمبي
* يقول في معرض حديثه: بدأت في مداعبة كرة القدم في الحواري والمدارس وتحديداً في حي الهنداوية بوسط العاصمة المقدسة.. مع فريق الحي الذي سُمي ب(الأولمبي) في السبعينيات الهجرية وكان يضم لاعبين جيدين أمثال زاهد قدسي وعلي الصقير وصالح محمود وإبراهيم أبو الخير، وكانت أعمارنا آنذاك لا تتجاوز 15 عاماً.. ومن الحي انتقلت لفريق العلمين بمكة وكان يدربه في ذلك الوقت العم أحمد عبد الله - والد النجم الخلوق ماجد عبد الله - ومثَّلته في خط الهجوم.. والحقيقة أدين للعم أحمد كونه أول من أشرف على تدريبي وساهم في احتضان موهبتي ودعمي فنياً.. وأتذكر جيداً كان -رحمه الله- يردد مقولة (الكورة أكبر منك إذا ما احترمتها لن تحترمك)!!
رمضان نقلني للهلال
* استمررت مع العلمين موسمين تقريباً ثم انتقلت للهلال بتأثير مباشر من الرياضي المخضرم محمد رمضان بحكم أنه كان من العاملين بالنادي آنذاك وتربطه بالشيخ عبد الرحمن بن سعيد علاقة قوية.. ففي أوائل الثمانينيات الهجرية سافرنا نحن الثلاثة (زين العابدين وسليمان مطر (الكبش) وإبراهيم الخير إلى الطائف وقابلنا - شيخ الرياضيين - وكان يرافقنا الأخ محمد رمضان.. والمعروف أن ابن سعيد كان من موظفي الديوان الملكي في عهد الملك سعود - رحمه الله- وكان ينتقل في الصيف إلى الطائف لظروف عمله.. فطلب منا التسجيل بالنادي ثم غادرنا الطائف إلى الرياض برفقة (رمضان) وهناك استقبلنا الأستاذ ناصر بن جريد - عضو شرف النادي وأعتقد أنه كان يشغل منصب نائب الرئيس وسجلنا في كشوفات النادي بـ300 ريال!!
بطل سباق 100 متر
* بعد عودة ابن سعيد للرياض نصحني بالتسجيل في معهد الأنجال (العاصمة حالياً) لمواصلة دراستي.. وقتها كنت أدرس في الصف الثالث ثانوي وبالفعل التحقت بالمعهد ودرست شهرين وقدمت اعتذاري لشيخ الرياضيين وطلبت منه السماح لي بالعودة لمكة المكرمة لإكمال دراستي هناك ووافق وبعد أن أنهيت المرحلة الثانوية فكرت في مواصلة دراستي بجامعة الرياض (الملك سعود حالياً).. غير أن شقيقي الأكبر (عبد الرحمن) مدير مستشفى الرياض المركزي سابقاً نصحني بالالتحاق بكلية الأمن الداخلي فاضطررت للعودة للرياض والانضمام للهلال مرة أخرى.. وأتذكر أن ابن سعيد لعب دوراً مؤثراً في خروجي من الكلية لتمثيل الهلال في مباريات رسمية وأعود إليها بعد نهاية المباراة.. طبعاً كانت الكلية تنظر للطالب الرياضي نظرة تختلف عن الطلاب الآخرين خصوصاً أنني شاركت باسم الكلية في بطولات المملكة لألعاب القوى وحققت بفضل الله إنجازات متعددة ومنها حصولي على بطولة المملكة في سباق 100 متر وكنت أسرع رياضي بالمملكة في الثمانينيات الهجرية.. هذا فضلاً عن الألقاب الأخرى التي نلتها في دوري المدارس على صعيد ألعاب القوى والسلة والطائرة.
الهجوم الأزرق
* مثلت الهلال في خط الهجوم وكان يضم آنذاك نجوماً كباراً وأسماء لامعة يتقدمهم الأسطورة مبارك العبد الكريم والمايسترو سلطان بن مناحي وحميد جمعان وسليمان مطر (الكبش) وعبد الله سواء وسعيد بن يحيى وسالم إسماعيل ونبيل الرواف.
شهادة مجروحة
* الشيخ عبد الرحمن بن سعيد - أطال الله عمره - رائد الحركة الرياضية الأول بالمنطقة الوسطى ومؤسس الهلال شهاداتي فيه مجروحة فقد ضحى بماله وجهده ووقته وصحته من أجل البناء الهلالي وعلو شأنه كان يمثل الرقم الصعب في مسيرة النادي ويكفي تعامله وتواضعه وسخاؤه ووقوفه المستمر مع أبنائه اللاعبين في أحلك ظروفهم وأتذكر جيداً حين انتقلنا للرياض نحن الثلاثة زين العابدين وكريم المسفر والكبش تكفل (أبو مساعد) بإيجار الشقة وصرف إعاشة ومصاريف أخرى تقديراً لظروفنا حتى بيته كان مشروعاً لاستقبال معسكرات الفريق ومهما أتحدث عن هذا الرمز الكبير لا أوفيه حقه.
بطل الكأسين
* شكَّل موسم عام (1384هـ) حدثاً هاماً في مسيرة النادي فقد بدأ العصر الذهبي للفريق بقيادة حكيمة من مؤسس النادي الشيخ عبد الرحمن بن سعيد في تلك الحقبة.. نجحنا في انتزاع كأس الملك ثم كأس ولي العهد بعد فوزنا على الاتحاد 3- 1 والوحدة 4-3.. ونال الفريق لقب بطل الكأسين والحقيقة ينتابني شعور بالفخر والاعتزاز كوني كنت من ضمن الأسماء التي شاركت في رسم ملامح هذا الإنجاز الكبير لفريق لم يمض على تأسيسه وقيامه سوى سبعة أعوام فقط!!.
7 ثوانٍ فقط
تسألني عن قصة الأسرع في تاريخ المسابقات المحلية والذي ما زال مسجلاً باسمي حتى الآن فأجيبك: كان ذلك في لقاء الدوري الذي جمع الهلال بفريق التعاون (الذي دُمج مع النصر وسُمي بالنصر التعاوني) وتحديداً في يوم 7-6- 1383هـ على ملعب الصائغ أتذكر جيداً كنت أقف بجانب زميلي المهاجم مبارك العبد الكريم وقبل أن يطلق حكم المباراة (عبد الرحمن القمري) صافرة البداية همس مبارك في أذني وبعد ضربة البداية انطلقت مسرعاً وما هي إلا ثوان وإذا بالكرة تصل قدمي بالمسطرة من الفنان مبارك عبد الكريم وتجاوزت مدافع التعاون (الباحوث) قرب خط 18 وسددت الكرة مسجلاً هدفاً تاريخياً في 7 ثوان.. طبعاً اللقاء انتهى لصالحنا 6- 1 وهذا الهدف تاريخي كان حديث الرياضيين والإعلاميين في تلك الفترة حتى إن حكم المباراة (القمري) من اندهاشه قال لي: لم أشاهد هدفاً بهذه السرعة لدرجة أن بعض الأندية طلبت مني زيارتها وشرح قصة الهدف الإعجازي.. طبعاً كنت معروفاً بسرعتي وقد أُطلق عليَّ لقب (الغزال الأسمر).. وبصراحة أعتز كثيراً بهذا الهدف الذي ما زلت أحمل رقمه القياسي حتى الآن مع احترامي للإخوة جمال محمد ووليد الجيزاني ويكفي أن من وثَّق هذا الهدف هو عميد مؤرخي الحركة الرياضية الشيخ الوالد عبد الرحمن بن سعيد باليوم والشهر والسنة في الوقت الذي أعتب فيه على الاتحاد السعودي لكرة القدم الذي تجاهلني وتجاهل أسرع هدف في تاريخ المنافسات السعودية ولكن المؤسس ابن سعيد أنصفني عبر الجزيرة وهذا يكفي.
هدية رائد الرياضة
استمررت مع الهلال حتى عام 1385هـ فبعد تخرجي من كلية الأمن الداخلي تم تعييني في مدينة جدة وأتذكر أن طلبت من الشيخ عبد الرحمن بن سعيد السماح لي بالعودة للوحدة ووافق على طلبي لكن زميلي المهاجم سليمان مطر (الكبش) الذي انتقل للأهلي في ذات الموسم علم بقرار تعييني في جدة واتصل بالأمير عبد الله الفيصل -رحمه الله- وأبلغه بذلك وبدوره قام بالاتصال بالشيخ عبد الرحمن وطلب ضمي للأهلي وكان أبو مساعد قد كتب خطاباً موجهاً لرئيس الوحدة عبد الله عريف - رحمه الله - وشرح فيه رغبتي الانتقال للوحدة لكن الأمير عبد الله الفيصل كان حريصاً على انتقالي للأهلي ونجح سموه في تغيير قناعتي ومساري فانضممت للأهلي بعد أن أهداني رائد الرياضة سيارة (BMW) ولعبت في صفوف النادي سنة ثم تحولت للعمل الإداري في الموسم الذي تلاه كعضو شرف ومسؤول عن النشاط الثقافي والاجتماعي وأتذكر جيداً الفرحة بعد تكريمي في احتفالية النادي الأهلي باليوبيل الذهبي عام 1408هـ.. وقد شمل هذا الحفل تكريم رؤساء النادي السابقين واللاعبين والإداريين بحضور رموز النادي يتقدمهم رائد الرياضة الأمير عبد الله الفيصل والأميران محمد العبد الله الفيصل وخالد العبد الله.
لقب القرن
يخالجني شعور بالفخر والاعتزاز باللقب الآسيوي الأخير الذي حققه الهلال (نادي القرن بآسيا).. وهذا الإنجاز لا شك أثلج صدورنا كلاعبين سابقين شاركنا في حقبة ماضية في صنع الإنجازات الذهبية بمسيرة هذا النادي الكبير برجالاته ورموزه وواصلت الأجيال الهلالية حصد الألقاب والبطولات حتى توج الزعيم بلقب لا يتكرر إلا بعد (100 عام).. والحقيقة أستغرب قيام البعض بحملة تشكيك حول هذا المنجز الوطني خصوصاً أن التهاني والتبريكات توالت على النادي من الخارج.. بينما هناك ثلة من الإعلاميين مع الأسف حاولت تقليل حجم هذا اللقب وتهميشه بطريقة كشفت عن نوعية تنحصر في دائرة (مرض العقدة)!!
عموماً الهلال لا يضيره مثل تلك الترهات ويبقى الزعيم مفخرة وطنية تزداد لمعاناً كلما نال لقباً باسم الوطن.. ولا أنسى بادرة الأمير عبد الرحمن بن مساعد حينما أعلن عن تنظيم حفل تكريم يتناسب مع حجم الإنجاز القاري وتكريم اللاعبين والإداريين ورؤساء النادي السابقين ممن ساهموا في البناء الهلالي وقادوا مسيرته إلى بوابة المجد والتألق.. هكذا هم الهلاليون أوفياء في كل زمان ومكان.. وهذا سلوك دأبوا على تكريسه وتأصيله منذ تأسيسه على يد شيخ الرياضيين الوفي (ابن سعيد).
* * *
البطاقة الشخصية
الاسم : زين العابدين مصطفى عقاب
تاريخ الميلاد: من مواليد الستينيات الهجرية
المهنة: ضابط برتبة عميد متقاعد بوزارة الداخلية
الحالة الاجتماعية: متزوج وأب لولدين وبنت