في مقال بموقع صحيفة (إيلاف) الإلكترونية نشر الوزير خوجة ردوداً على مقالات للكُتّاب: عبدالرحمن الأنصاري الذي نشر مقاله في صحيفة (إيلاف) بتاريخ 11 أكتوبر 2009 تحت عنوان (ولماذا وزارة للإعلام)، ومقال للكاتب محمد بن عبداللطيف آل الشيخ الذي نشر في صحيفة (الجزيرة) بتاريخ 8 أكتوبر 2009 تحت عنوان (الإعلام الحكومي: ضحايا وقضايا)، ومقال الكاتب فهد الدغيثر الذي نشر في صحيفة (الوطن) بتاريخ 12 أكتوبر 2009 تحت عنوان: (والآن إليكم نشرة الأخبار بالتفصيل).
وكان الدكتور عبدالعزيز خوجة حين تولى حقيبة وزارة الثقافة والإعلام، قادما من منصب سفير السعودية في لبنان، قبل ما يقارب أربعة أشهر، قد اجتمع برؤساء تحرير الصحف السعودية، وقال لهم انتقدوني وانتقدوا الوزارة كما تريدون؛ لأن النقد يسعده ويفيد الوزارة التي وصفها بأنها مثلها مثل أي جهاز آخر ليست فوق النقد، وأن أفرادها من البشر يخطئون ويصيبون، وهم دائماً بحاجة إلى النصح والمشورة.
ويؤكد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة على النهج الواضح الذي اعتمده منذ توليه لمنصبه في غرة الرابع عشر من فبراير 2009م، في اعتماد منهج الشفافية والوضوح مع كافة وسائل الإعلام والشارع الثقافي السعودي، رغم حساسية المجال ووفرة الانتقادات التي يصاحبها عادة، حيث توج ذلك الحضور باعتماد وسائل فاجأت الجميع مثل فتح صفحته على الفايس بوك واللقاءات الحبية المتكررة مع نخب المثقفين والإعلاميين للتواصل وسماع الرأي الآخر وتقديره واعتماده في منهجية العمل التي برزت مؤخراً خصوصاً على صعيد التطوير الجاد للتلفزيون السعودي.
وكانت إيلاف دعت الوزير خوجة إلى كتابة مقالات خاصة فيها، لتتلقى رسالة من الوزير عبر موقع التواصل الاجتماعي (الفايس بوك) قال فيها:
بالنسبة إلى الكتابة في إيلاف قررت نشر هذا المقال فيها، وقبول دعوتكم الكريمة للكتابة كلما سنحت الفرصة، وسأبذل جهدي ليكون مقالاً شهرياً إذا سمحت الظروف، وهذا القبول يعود للأسباب التالية:
أولا.. ريادة تجربة إيلاف في الصحافة الإلكترونية، وبحكم إيماني بمستقبل هذه الصحافة وحرصي على دعمها من المنطقي أن أنشر فيها.. مع اعتزازي بكل الدعوات التي وصلتني من الصحافة الورقية.. والتي سأحرص على المشاركة فيها كتابة بين حين وآخر، كما أنني أطللت من خلال الصحافة الورقية طيلة السنوات الماضية كشاعر، وأعتقد أنه من باب العدل والإنصاف أن أخص الصحافة الإلكترونية بالمقالات، فلا تغضب (صحافة) من (صحافة) إذا كانت لهذه المقالات والقصائد فوائد للقارئ.
ثانيا.. صحيح أنني أختلف مع بعض سياسات إيلاف، ولكن هذا الاختلاف شجعني للنشر فيها لتعزيز ثقافة الحوار وقيم التنوع واحترام الرأي الآخر وحق الاختلاف في الرأي.
ثالثا.. الشجاعة الأدبية لناشر إيلاف وفريقه التحريري في إبداء الرأي بصراحة والعمل في النور، وهنا نقطة اختلافي مع بعض المواقع والصحف الإلكترونية التي تعتمد على الاسم المستعار.. ووجهة نظري في هذه النقطة أن الصحافة الإلكترونية بحاجة إلى صياغة تقاليد تخصها تعزز مصداقيتها ومهنيتها في ظل هذا الفضاء الإلكتروني المفتوح، ولن يتحقق هذا إلا بوعي العاملين والمستثمرين في الصحافة الإلكترونية من جهة.. ووعي القارئ من جهة أخرى. وأنا سعيد بأن أرى أكثر من صحيفة إلكترونية تسير في هذا الاتجاه.
رابعا.. إيماني بالشباب، وأغلب قراء الصحافة الإلكترونية وصناعها من هذه الشريحة الغالية وفق الدراسات المتخصصة، ويسعدني أن أشيد هنا بأبناء إيلاف سلطان القحطاني وفهد سعود وغيرهم في إيلاف وغيرهم من الشباب في الصحف الإلكترونية الأخرى، الذين أثبتوا تميزهم من خلال هذا السياق الحيوي والتفاعلي بعيداً عن السياق الورقي المعتاد، مع تمنياتي لهم بمزيد من التقدم والنجاح حتى لو اختلفت مع بعض أطروحاتهم.وفي النهاية آمل أن تكون هذه المشاركة وغيرها ذات جدوى للمتلقي.
***
وفيما يلي نص رد د. الخوجه على الكتاب آل الشيخ والدغيثر والأنصاري:
اطلعت على مقال الكاتب القدير عبد الرحمن الأنصاري المنشور في صحيفة (إيلاف) الإلكترونية بتاريخ 11 أكتوبر 2009 تحت عنوان: (ولماذا وزارة للإعلام)، وقبل الخوض في مضمون المقال من باب التأييد أو الاختلاف، أود أن أقول: إن قلم الزميل الأنصاري، من خلال متابعتي لزاويته العريقة (من الجعبة)، يتميز بثبات المستوى واحترام القارئ حتى لو اختلفنا مع أطروحاته، إضافة إلى دأب الأنصاري في خوض معاركه الفكرية والأدبية حتى النهاية دون الرضا بأقل من الانتصار.. وأتمنى أن تفسر مداخلتي هذه على أنها (حوار) أكثر من كونها (معركة) لأن قلمي المتواضع لا يطرب لطبول الحرب والتقسيم إلى (خاسر) و(منتصر).. بل لأمواج النقاش وفائدة الجميع، وهذا ما لمسته من الزميل الأنصاري في حوارات سابقة. في البدء، واستنادا على المقال المشار إليه، أود أن أؤكد أن قرارات تحويل التلفاز والإذاعة ووكالة الأنباء إلى مؤسسات عامة، ليست مجرد وعود، إنما هي واقع سيرى النور قريبا بإيمان تام من ولاة الأمر ووزارة الثقافة والإعلام لتحرير هذه القطاعات من العوائق الإدارية والمالية نحو مزيد من التنافسية والمهنية، وليكون القرار في هذه القطاعات في يد أهل المهنة بعيدا عن أي مؤثرات جانبية أو ثانوية، فالمشهد الإعلامي اليوم.. أصبح المتلقي شريكا أساسيا في صناعته عبر حرية قراره وتنوع خياراته.. ولا مجال للبقاء والمنافسة إلا للأفضل وللأكثر تفاعلا مع مستجدات المهنة وتطورات العصر واحترام المتلقي، وأعتقد أننا لا نختلف على أن تجارب الإعلام السعودي (الخاص) الناجحة والرائدة عربيا دليل على ضرورة أن ينعكس تطور المملكة وطموحها على إعلامها (العام) أيضا، خاصة مع توافر المقدرة المالية.. والكفاءات البشرية المؤهلة التي نرى أن (الخارج) قد استفاد منها أكثر من (الداخل).. أو على الأقل أنها وجدت الفرصة للنجاح والبروز بشكل أفضل في هذا الفضاء المفتوح و(المعولم). فماذا ينقصنا إذن سوى الرؤية والإرادة من أجل مشهد إعلامي أفضل وأكثر تطورا ومنافسة واستقطابا للكوادر المهنية عبر الفرص الحقيقية والمحفزة للعطاء والإبداع ؟! ومن اللازم هنا أن نشير إلى صاحب القلم الساخن محمد عبد اللطيف آل الشيخ الذي كتب في صحيفة (الجزيرة) الموقرة الأسبوع الماضي مقالا بعنوان: (الإعلام الحكومي: ضحايا وقضايا)، أنقل منه: (الإعلام الحكومي، وبالذات الإذاعة والتلفزيون، في وضعه الحالي ينتقل من ضعف إلى ضعف، وهو في تدهور مستمر. والعاملون فيه يعملون وأعينهم تبحث عن أي فرصة في القطاع الإعلامي الخاص، ما أن تلوح لأحد المتخصصين حتى يخرج للبحث عن مستقبل أفضل؛ فأوضاعهم المالية مزرية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ورواتبهم ومكافآتهم لا تقارن برواتب ومكافآت أقرانهم ممن يعملون في ذات المهن في القنوات الفضائية الخاصة. هذا فضلاً عن أن قطاعاً كبيراً منهم لا يستلمون حقوقهم المالية بشكل منتظم).. وأود أن ألفت نظر الأخ الكريم، إلى أن تحويل الإذاعة والتلفاز ووكالة الأنباء إلى مؤسسات عامة سيعالج المشكلة التي يعاني منها بعض أبناء المهنة من جذورها، كما أن مشكلة المتعاونين التي أشار إليها يجري العمل على حلها من حيث الانتظام بالتعاون مع وزارة المالية التي لا نجد منها إلا كل تفهم وتشجيع وإخلاص . وذكر الكاتب الكريم، أن الإعلام الحكومي يسير من ضعف إلى ضعف، وأيده بنفس المعنى الكاتب اللافت فهد الدغيثر في صحيفة (الوطن) بتاريخ 12 أكتوبر 2009 تحت عنوان (والآن إليكم نشرة الأخبار بالتفصيل).. أود في المقابل أن ألفت نظر الأخوة الأعزاء إلى أن الخطوات التطويرية التي بذل فريق العمل في الوزارة جهده لتحقيقها في القناة الأولى والإخبارية وإطلاق قناة (أجيال) بغض النظر عن الانتقال لمرحلة المؤسسات العامة أو استباقا لها.. ليست نهاية المطاف.. بل بدايته.. لغاية تغيير الصورة النمطية للتلفاز وتحويل شبكة التلفزيون السعودي إلى التلفزيون المفضل لجميع أفراد الأسرة داخل المملكة.. ونحن في الوزارة كفريق عمل ندرك تماما أننا لسنا معصومين من الأخطاء ما دمنا بشرا وما دمنا نعمل.. كما ندرك أيضا أننا مهما قمنا بمبادرات وخطوات ستظل أقل من طموحنا للإذاعة والتلفاز ووكالة الأنباء حتى تحقق هذه الأجهزة في المستقبل القريب نموذجا نفتخر به عالميا وليس عربيا أو محليا فقط، وهذا لن يحصل إلا بدعم هذا (الحلم) الذي يغازل (العالم الأول)- على وصف الأمير خالد الفيصل - بالعمل التراكمي ولو كان مرهقا، وبالنقد البناء ولو كان قاسيا، وبالنصيحة المخلصة ولو كانت مؤلمة، لذا.. فأهلا بتضافر الجهود والنوايا من أجل غد أكثر إشراقا وازدهارا. وعودة إلى مقال الزميل الأنصاري، الذي استدل على ضرورة إلغاء وزارة الإعلام بالوضع في دول العالم المتقدم.. أرجو أن لا أفاجىء الكاتب القدير، بأنني شخصيا ضد فكرة وزارة الإعلام كما نشأت في الاتحاد السوفييتي وكما استنسختها بعض الدول لتوجيه الرأي العام أحيانا أو تضليله أحيانا أخرى، وأحمد الله أن الكاتب قد أشار إلى دور ومنهج ولاة الأمر في حماية وتعزيز حرية الرأي والتعبير، ليتأكد للقارئ أن ولاة الأمر يحلمون أيضا ويعملون بعيدا عن احتكار العقول وقمع الأفكار وتضليل المتلقي، وهذا هو منهجهم الأصيل والراسخ، وليس هناك دليل أبلغ على هذا من مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار الوطني، وتوجيهاته الدائمة بتشجيع أهل الصدق والثقافة والصحافة واحترامهم وتكريمهم، وإيمانه المطلق - حفظه الله - بأن الحرية والتنوع والنقد والتمسك بالثوابت لن تعود إلا بالخير والرفعة لحاضر الوطن ومستقبله، هذه الرؤية هي التي عبرت عنها سابقا على طريقتي حين قلت: (ليس للحرية سقف نصطدم به.. إنما فضاء نتقدم فيه وأمانة نتحملها). ومن خلال هذه الرؤية، أقول، إن دور وزارة الثقافة والإعلام الذي نعمل لترسيخه حاضرا ومستقبلا استكمالا لبناءات السابقين وجهودهم المقدرة، ينحصرفي التنظيم والتطوير وتشجيع المبادرات الشابة، وهذا يمتد إلى القطاع الثقافي، وأتفهم ملاحظة البعض بأن حضور الوزارة في (الإعلام) يهيمن على حضورها في (الثقافة).. ولكنني أطمئن الجميع، بأن مشاريع (المجلس الأعلى للثقافة والآداب والعلوم والفنون) و(الهيئة العليا للكتاب) ودمج الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون في (المراكز الثقافية) ستتيح في القريب المنظور للمثقفين قيادة هذا القطاع نحو مشهد ثقافي حيوي وخلاق يليق بهذه البلاد وسمعتها ومثقفيها، بعيدا مرة أخرى عن المعوقات الإدارية والمالية، ويسعدني أن أشير هنا إلى مفهوم (الاقتصاد الشعوري) الذي تعرفت عليه من خلال مشروع تقدم به إلى الوزارة الباحثان عبد الله حميد الدين ومحمود صباغ، ويؤكد هذا المفهوم أن القطاع الثقافي ليس عالة مالية على المجتمع كما يتصور البعض، بل إنه في بعض الدول يقدم للدخل الوطني أكثر من 6 % من الدخل إذا توفرت له الإدارة المناسبة والتسويق السليم، وأتمنى على الباحثين الشابين وغيرهم شرح هذا المفهوم بصورة أعمق وأوسع للمتلقي لنعمل جميعا من أجل مشهد ثقافي لا يكتفي بالعطاء الفكري وحده.. بل يسعى كذلك إلى رفع الناتج الوطني وفتح مجالات جديدة للاستثمار وفرص العمل توازيا مع بث التنوير والحكمة، دون أن يطغى غرض على غرض. ختاما، وبعد كل ما سبق، في زمن لا يعترف بالإعلام الموجه أو الثقافة المعلبة، لا أجدني أختلف كثيرا مع ما طرحه الزميل الأنصاري إذا تحدثنا عن الدور المأمول لوزارة الثقافة والإعلام، الذي لو تحقق كما نريد جميعا، لن تهمنا المسميات.