في أحد المجالس طلبني أحدهم لحديث شخصي خاص في الخارج، فأجبته لذلك, وخرجت معه وبعد أن أتم موضوعه غادر المكان وعدت أنا للمجلس، وإذ بشخص قد اكتسى رداء الوقاحة ونضب ماء وجهه يفاجئني بسؤال أخرق هتكَ به ستر الأدب حيث قال لي بجرأة عجيبة: ما هو الموضوع الذي حدثك فلان عنه! أدهشني سؤاله وعشت معه في ثنائية عجيبة من المشاعر! أأضحك على سذاجته وخفة عقله؟ أم أبكي من وجود أمثاله في حياتنا؟.
فقلت له وما علاقتك؟ لو أراد أن يسمعك ما طلبني لوحدي! فبُهتَ الذي قل حياؤه، وعادت آماله في معرفة ما خفي عنه أقلص من ظل حصاة! تلك إحدى صور السلوكيات التي تعادي الذوق العام حيث الفضول والرغبة المستعرة في معرفة أسرار الآخرين وخفايا حياتهم ومن صوره كذلك: أن تحوم نفس أحدهم وتمتد عينه وتتهالك روحه على معرفة تفاصيل حياة جاره، ولو قدر ووجد باب جاره مفتوحا لمد إليه نظره وأرسل طرفه دون رادع أو ضمير ومن صور الفضول المؤذي: التلهف على الحصول على معلومات خاصة لزميل ابتداء من معرفة راتبه وأين سافر؟ وأين ذهب؟ وماذا أكل؟ ولماذا لم يتزوج؟
ومن صور الفضول المذموم: أنك بعدما تنتهي من مكالمة هاتفية وقد بذلت جهدك في خفض الصوت والتحدث بالعموميات تكتشف أن جارك قد هجر الدنيا مرخياً سمعه ملقياً بإذنه عليك ليسترق شيئاً من حديثك!! وبعضهم لا يكتفي بهذا بل تجده يسعى لفك غموض ما استعصى عليه من تفاصيل في المكالمة بسؤالك عنها عندما تنهي!.
ومن الصور كذلك: ما نشاهده عندما يقدر الله طلاقاً بين زوجين, فتظلم الدنيا في وجه أحدهم وتجده يتنفس من سم خياط حتى يعرف سبب الطلاق!!.
ومن الصور التي اختُص بها مجتمعنا دون غيره: ما نراه عند الإشارات من مشاهد مخجلة حيث إطلاق النظر من قبل بعض الرجال والتلصص بلا ذوق ولا حياء وإجهاد الرقبة بالدوران بحثا عن (عباءة سوداء) وكأني أرى الرؤوس قد استحالت إلى رادارات ترصد العبايات!! وقد تجد بعض الأزواج وهو برفقة زوجه في سوق أو مطعم ومع هذا لا تجده يتورع عن (البصبصة) والنظر هنا وهناك هذا وزوجته بصحبته!! كيف لو كان لوحده؟!!
وهؤلاء الفضوليون المسعورون لا يرعوون وإن نُبذوا نبذ الحصى ومُرغت كرامتهم! وعاجل عقوبتهم أنك تجدهم في حيرة دائمة وضياع مستمر لا تأخذهم أنفة أو عزة نفس ومن لم تصلحه الكرامة ربما أصلحه الهوان!! عقولهم تضطرم فيها الأفكار وتصطرع داخلها الرغبات وأرواحهم لا ترى في الحياة إلا أطيافا وأخيلة ولا تكاد تطمئن إلى حقيقة واحدة! والعقلاء وحدهم هم الذين يدركون أن البشر يأنفون وينزعجون من حشر الأنف في حياتهم الخاصة والتلصص على خصوصياتهم، أيها العزيز ارفع نفسك وصنها فما أروع الإنسان المتحضر الذي يتسامى بنفسه ولا يعرضها مواطن الذلة والإهانة.
شعاع:
الفم المغلق لا يُعاديه أحد
****
khalids225@hotmail.com