المدينة المنورة - (الجزيرة)
عرض عدد من الباحثين والمتخصصين في العلوم الشرعية، والتقنية الحديثة، رؤاهم وأفكارهم حول مدى الاستفادة من التقنية في خدمة كتاب الله، وتعريف المسلمين بمعانيه، وموقف الشريعة الإسلامية من ذلك، وهل هناك حدود لاستخدام هذه التقنية في القرآن الكريم وعلومه المختلفة، موردين عدداً من الأحكام الفقهية حول هذا الجانب.. جاء ذلك في أحاديث لهم بمناسبة الندوة العلمية الدولية التي نظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عن (القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة - تقنية المعلومات)، والتي اختتمت أعمالها مساء أمس الخميس في المدينة المنورة.
مشاكل حساسة
ففي البداية تقول د. سلوى السيد حمادة عطيوة من معهد بحوث الإلكترونيات واستشارية في الأبحاث اللغوية والحاسوبية بالقاهرة: إن التواصل عن طريق الشبكات من أسرع سبل التواصل الفعالة في حل كثير من المشاكل الحساسة التي ترتبط بالأحكام الفقهية الأمور الدينية والفتاوى والتي قد يحتاج الفرد أو الهيئات للبت فيها بسرعة لحسم الكثير من الأمور، معربة عن اعتقادها أن الاضطلاع بهذا الدور خلال شبكات الاتصال دورا دينيا لا خلاف عليه في الفقه والسنة والشريعة، وقالت: إن من يفتي بغير ذلك يتيح للباحثين عن هذه الخدمات اللجوء لهيئات ومؤسسات غير مؤهلة لهذا الدور مما قد يسيء للدين والفقه والشريعة.
أحكام خاصة
أما المعتز بالله السعيد طه عبدالحي سرحان - الأستاذ المساعد في علوم اللغة والدراسات السامية والشرقية بجامعة القاهرة فيقول: إن هناك العديد من الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن الكريم المترتبة على استخدام التقنية الحديثة الَّتي تندرج تحت ما يُسَمَّى بفقه الواقِع، وقد بذل المجمع المُوَقَّر جهودًا محمودةً في وضع المعايير والضَّوابِط الَّتي تَضمن سلامة القرآن الكريم عن أيِّ تحريفٍ، ومعلومٌ أنَّ استخدام التفسير المصور ولقطات الفيديو التعليمية للتعريف بمعاني القرآن الكريم من الوسائِل التَّعلِيمِيَّة المُفيدة، التي أثبَتَ العِلم الحديث أهميتها.
قواعد عامة
ويقول د. سليمان بن عبدالله الميمان - رئيس مجلس إدارة الشركة العربية لتقنية المعلومات بالمملكة: إن استخدام التقنيات الحديثة أحد طرق نشر وتقريب العلوم الإسلامية فهي تخضع للقواعد العامة في نشر العلم من الأمانة والدقة والتأهل... إلى آخره، أما التخوف من الزيادة والنقصان ونحو ذلك فهو وارد أيضًا على النشر الورقي، ولا شك أن الضوابط الشرعية العلمية والمنهجية التي وضعت من قبل المجمع تمنع من ذلك.
فريضة العصر
ومن جانبه يقول م. عبداللطيف صلاح الشموتي - مدير إدارة مشروعات القراءات وعلومه بالشركة العربية لتقنية المعلومات بمصر: لا ينبغي التحرج من استخدام التقنيات الحديثة في خدمة علوم القرآن والسنة لأنها أصبحت فريضة العصر ثم هي من باب الوسائل إلى تحقيق المصالح، فمتى أخذنا الضمانات الكافية للوصول إلى الغاية مع الدقة فلا معنى للتحرج حينئذ، داعياً أن تقوم الهيئات الشرعية المتخصصة ببحث هذه الضمانات الشرعية والفنية ووضع التوصيات التي تراها مناسبة.
هناك من يتوقف
أما أيمن صالح شعبان - مدير مركز تحقيق النصوص لكتابة المصحف الشريف فيقول: إن استخدام تلك التقنيات من الأمور المباحة، بل المندوب إليه شرعا، إذا وظفت بشكل سليم يأمن الخطأ أو الخلط، فهي وسيلة لنقل العلم تحاكي الورقة وحكمها حكم التدوين، بيد أنها لا تصلح للتخرج، ولا تقوم البتة بدور المعلم. فما بلغت فضل مجلس علم واحد مده أو نصيفه، والمكتفي بها لم يذق طعم العلم البتة.
وأضاف قائلاً: ولا شك أن هناك من يتحرج من استخدام التقنية الحديثة ويتوقف عن القول بجوازها خوفاً من التحريف أو الزيادة أو النقصان؟.. مشيراً إلى أن استخدام ما يعرف بالوسائط المتعددة التي منها الصور الثابتة والمتحركة -الفيديو- تُفعّل حواس المستخدم فترسخ المعلومة في ذهن المستخدم عبر تعدد الحواس المستخدمة في استقبال المعلومات، لكن الحاصل في هذا المجال - التفسير المصور- العبث والابتذال لتحقيق مآرب أخرى من قِبل الشركات العاملة في هذا الحقل، الأمر الذي ينذر بالخطر الكبير ووجوب التصدي لمثل تلك المنتجات العبثية.
وانتهى أيمن شعبان إلى القول: إن إنتاج مثل تلك الوسائط بمعرفة المؤسسات والهيئات المعنية بشؤون القرآن وعلومه، وإشرافها العلمي الكامل يفيد القاعدة العريضة لمستخدمي الحواسب الشخصية -أو الأجهزة المرئية- فيما يخص بعض جوانب التفسير الموضوعي أو تفسير آيات الأحكام، أو أسباب النزول، أو الإعجاز العلمي، أو معاني القرآن الكريم، حيث بإشراف تلك المؤسسات نأمن التمويل المادي اللازم ليخرج المنتج بشكل لائق، بعيد عن اللغط، وما لا يجوز تصويره من متاع الدنيا في ذكر شؤون الآخرة ونحو ذلك من تصوير الغيبيات. أو استخدام مؤثرات صوتية غير لائقة، وغيرها من الأمور التي استخدمتها بعض الشركات فأفسدت ولم تصلح. فالأمر بحاجة إلى إشراف علمي دقيق ورقابة صرامة.
توظيف التقنية
أما د. أمين محمد أحمد الشيخ الشنقيطي - الأستاذ المساعد بقسم القراءات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فيشير إلى أن الأحكام الفقهية المترتبة على استخدام التقنية الحديثة، هي محل دراسة في بحوث متخصصة معروفة، وهي كما تبين لي أثناء قراءة بعضها في حكم التعامل مع التقنية واستخدامها، وجدتها ترى جواز التعامل مع استخدامات التقنية وتدعو إلى توظيف التقنية لخدمة القرآن الكريم من باب المشاركة في العلم والتقدم التقني.
وقال: وأما مسألة التحرج من استخدامها لدى البعض فهو راجع في نظري إلى أن التقنية كأي وسيلة جديدة تحتاج في بداية الاعتراف بها إلى دراسة واستبيان تظهر من خلاله الجوانب السلبية والإيجابية لها، وقد رأيت الكثيرين لا يمنعون استخدامها فيما هو إيجابي، ولا يبدو لي أن لمجمع الملك فهد ضوابط تحول دون استخدام التقنية استخداما مثالياً ما دام متفقا مع أهدافه.
هناك من يتحرج
ويرى د. عمر طيان - الأستاذ المساعد بكلية الحاسب الآلي بجامعة طيبة بالمدينة المنورة: أن هناك من يتحرج من استخدام التقنية في مجال خدمة القرآن الكريم كما هو الحال بالنسبة لمن يتحرج من استخدام الحاسب الآلي والتقنيات المعاصرة. والبحث المشارك به يتطرق للعديد من هذه النقاط والأمور الفقهية لا نستطيع التطرق والحديث عنها لعدم إلمامنا بها وقلة علمنا الفقهي.
ليس هناك حرج
وفي ذات الشأن، يقول عمر محمد الصبيحي - الأمين العام المساعد لجمعية المحافظة على القرآن الكريم بالأردن: إن الجمعية في استخدامها للتقنيات المعاصرة في تحفيظ القرآن الكريم وتعليمه لا ترى وجود أي حرج أو مخالفة للأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن الكريم، وهي عند ثبوت وجود أية مخالفة شرعية ستأخذ برأي أهل العلم والخبرة في هذا المجال، أما التفسير المصور فإنه ما يزال بحاجة لمزيد من البحث والتروي في إصدار الحكم عليه.
جهود كبيرة
ويقول د. مصطفى فوضيل - الباحث بمؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) بالمغرب: الواقع أن المسألة لها علاقة بالثقة التي ينبغي أن تحصل بين المستخدم وبين الجهة التي تقف وراء أي عمل تقني له علاقة بكتاب الله تعالى؛ وهذه الثقة تتحقق بمدى التزام تلك الجهة بالضوابط الشرعية والعلمية التي بها تتم صحة التلقي وسلامة الفهم، وإن مجمع الملك فهد بحمد الله تعالى -بما يقوم به من جهود كبيرة، وما يلتزمه من الضوابط المحكمة- قد اكتسب ثقة الكثيرين، حتى صار موقعه في الشبكة مصدرا معتمدا في سائر القضايا المرتبطة بكتاب الله تعالى.
ويضيف: وأما استعمال التقنية المسموعة والمرئية في بيان معاني القرآن الكريم، فلا شك أنه من أهم الوسائل في نشر العلم والخير بين الناس؛ نظرا لأن عالم اليوم يعتمد هذه الوسائل أكثر من غيرها من الوسائل كالكتاب أو المجلة أو الصحيفة أو غيرها مما له تأثير محدود، لكن الأهم في المسألة يتعلق بمدى صحة المادة المعروضة على الناس، ومدى حسن عرضها، فصحة العلم وحسن الإخراج شرطان أساسان في هذا المجال.
تطبيقات متعددة
ويشير د. عبدالله رفاعي محمد أحمد الزهري - الأستاذ بجامعة الأزهر، إلى أنه في ظل تلك الثورة الهائلة لتقنية المعلومات نجح المسلمون - مؤخراً- في توظيف هذه التقنية لخدمة الإسلام بعامة والقرآن الكريم بصفة خاصة، وقد ظهر ذلك في صورة تطبيقات متعددة ماتعة نافعة، وتبعا لذلك ظهرت بعض المستجدات والأحكام الفقهية المتعلقة بهذا الشأن، منها على سبيل المثال: حكم تسميع القرآن كتابة عن طريق المنتديات الحوارية على شبكة المعلومات الدولية، وحكم كتابة القرآن الكريم كتابة صوتية على المنتديات لمن لا يحسن العربية، وهل يُغني المصحف المعلم عن الشيخ المعلم، وحكم استخدام آيات القرآن الكريم كنغمات للهاتف الجوال، أو كنغمة تحويل المكالمات للهاتف الثابت، وحكم استخدام الوسائط المتعددة في تعليم القرآن الكريم، مثل التفسير المصوَّر، لقطات الفيديو التعليمية، تصوير مخارج الحروف من أماكنها... وغير ذلك من الأسئلة التي ما كانت تطرح قبل استخدام هذه التقنيات، لذلك أفردت ندوتنا لهذا العام محوراً خاصا بالأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن الكريم المترتبة على استخدام التقنيات المعاصرة. تغطي موضوعاته كل هذه الأسئلة وغيرها، ومن المؤمل أن تخرج هذه الندوة المباركة ببعض الآليات التي تضبط استخدام هذه التقنيات الاستخدام الأمثل لخدمة القرآن الكريم.
الحفر على الصخر
ويضيف د. محمد زكي محمد خضر - الأستاذ بقسم الهندسة الكهربائية بالجامعة الأردنية عن التقنيات الحديثة بأنها استمرار للتقدم البشري عبر التاريخ فقد كان الإنسان يحفر على الصخر للكتابة ثم على رق الغزال والورق ثم الطباعة والآن جاء دور التقنيات الحديثة وكل ما كان في التقنيات القديمة من محاسن ومن مساوئ موجود في التقنيات الحديثة ولكن أضيفت له أمور جديدة. فسعة الانتشار وسهولة النقل والاتصال وتعدد صيغ العرض جعل المحاسن تتضاعف وكذلك هي المساوئ. لذلك فإن استعمال التقنيات الحديثة هو أمر لا بد منه وهو واقع شئنا أم أبينا. إلا أنه يجب في كل مرحلة تقييم هذا الواقع والإفادة منه ومعالجة المساوئ قدر الإمكان وينبغي كلما استجد موضوع جديد أن يبحث فقهيًا لكي توضع له الضوابط المناسبة ونشر تلك الضوابط لكي يتم الالتزام بها على أوسع نطاق.
الخوف من التحريف
ويقول د. أحمد بن عبدالله الفريح - الأستاذ المساعد بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى: إن من عرف التقنية حق المعرفة لم يتردد في الاستفادة منها وتطويعها لخدمة القرآن الكريم، وما يذكر من الخوف من التحريف أو الزيادة أو النقصان فهو خوف من أمرٍ تكفل الله بحفظه، فلا مسوغ للخوف، مع العلم بأن التحريف قد يقع في المصاحف المطبوعة كما يقع في المصاحف الإلكترونية، وبالتالي لا أرى أن يرقى ذلك ليكون قلقاً مفرطاً يحول بيننا وبين استخدام التقنية، وأقترح بناء على ذلك أن يحملنا الخوف والقلق على صناعة حلول تقنية متميزة تخدم القرآن الكريم، وقد قام المجمع مشكوراً بجهد مبارك حين صمم برنامج مصحف المدينة للنشر الحاسوبي، وبالنسبة للتفسير المصور: لابد من إيضاح طريقته بعرض مقطع منه لنستطيع الحكم عليه.
من ضرورات العصر
وفي ذات الصدد يقول د. عبدالله الخطيب - أستاذ مشارك في علوم القرآن والتفسير بجامعة الشارقة إن استخدام التقنيات المعاصرة اليوم في خدمة القرآن الكريم أصبح ضرورة من ضرورات العصر، ومن هنا كان الالتزام بالضوابط التي وضعها المجمع في هذا الشأن ضروريا، والحذر مطلوب دائما في قضية احتمال دخول التحريف في النصوص، أما عن التفسير المصور ولقطات الفيديو التعليمية للتعريف بمعاني القرآن الكريم فإن حكمها كحكم أي وسيلة أخرى من وسائل خدمة النص القرآني، وهو: أن الوسيلة إذا لم يكن فيها أي شيء محرم وكانت تساعد المستمع على فهم النص فهما صحيحا فلا مانع منها والله أعلم.
الندوة البداية
أما د. عماد بن عبدالرحمن الصغير - وكيل عمادة التعليم عن بعد للتعليم الإلكتروني بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فيشير إلى أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولعل مثل هذه الندوة المباركة تكون سبيلا ممهدا لتصور الأمور على حقيقتها بالالتقاء بالمتخصصين في علوم الحاسب وتقنية المعلومات. ولا ألوم بعض أهل العلم ممن تحرجوا في استخدام بعض الوسائل التقنية لوجود بعض الدخلاء ممن عملوا في البرمجيات الشرعية التي يفترض فيها خدمة كتاب الله وسنة نبيه ولكنهم أساؤوا من حيث أرادوا أن يحسنوا مما سبب ردة فعل لدى كثير من أهل العلم. ولعل هذه الندوة تخرج ببعض الضوابط والأحكام التي توجه بإذن الله العمل في مجال البرمجيات وتقلل الأخطاء التي نراها هذه الأيام. وأحب في هذا المقام أن أبين أن علوم الحاسب وتقنية المعلومات قد تطورت كثيرا بشكل يقلل -بدرجة كبيرة بإذن الله- الأخطاء.
ضرورة عصرية
ويرى د. رفعت حسن محمد الزنفلي - الأستاذ المشارك بكلية هندسة وعلوم الحاسبات بجامعة طيبة أن استخدام التقنيات الحديثة في نشر القرآن الكريم لهو من ضرورات العصر ونرى انتشار القرآن الكريم صوتا وكتابة وشرحا وتفسيرا واستفادة الكثير من ذلك.
الاستعانة بالتقنيات
ويقول د. عبدالحميد محمد رجب - أستاذ نظم المعلومات بكلية الحاسبات وتقنية المعلومات بجامعة الملك عبد العزيز بجدة: إن القرآن الكريم ذكر لنا بعض القصص القرآنية، وأن الرسول محمد عليه السلام استعان بالرسم على الرمال في المعارك الحربية، وأن سور القرآن الكريم تنوعت من حيث طول النص المكتوب وقصره، وهذه بعض نماذج قليلة تبين لنا أنه ينبغي أن نستعين بالتقنيات الحديثة المتعددة للمعلوماتية ما دامت تفيد في تحقيق نشر الدعوة كما أنها تيسر أساليب وطرق تعليم القرآن الكريم والسنة النبوية. كما أن المجمع يقوم بمجهود عظيم في وضع الضوابط الضرورية لمنع التحريف والاستعانة بالأساتذة المتخصصين في الأحكام الفقهية.
تطوير التقنيات
ويؤكد د. محمد علي مناصر - الباحث المشارك بكلية الحاسب الآلي بجامعة طيبة بالمدينة المنورة: التقنيات المعلوماتية هي الأدوات التي ستعمل بها أجيال المستقبل، ولذا هي من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن إغفالها، وأرى أن قضايا تقنية المعلومات التي يمكن الاعتراض عليها قليلة، وأغلب التقنيات ستعود بنفع عميم على الأمة.. وفي المقابل يتعيّن تطوير تقنيات متقدمة وتوظيفها وفقاً لمعتقداتنا وقيمنا، ويجب الإشراف عليها وتصديقها من قبل علمائنا الأجلاء، وهم خير حامٍ لنا .