القرآن الكريم كتاب الله، تضمن خلاصة التعاليم الإلهية، أنزله على خير البشرية محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}، أنزله سبحانه في ثلاث وعشرين سنة مفرقاً، لقوله تعالى {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً}، وقد كان نزوله بلسان عربي مبين، قال سبحانه {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا}، واللسان اللغة، أي بلغتك، وهي العربية، كقوله تعالى {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِين عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}، فإن نزول القرآن بأفضل اللغات وأفصحها هو من أسباب فضله على غيره من الكتب، وتسهيل حفظه ما لم يسهل مثله لغيره من الكتب.
وقد تزامن نزول القرآن الكريم مع حياته صلى الله عليه وسلم جنباً إلى جنب، من أجل هذا كله اهتم به صلى الله عليه وسلم، وأولاه عنايته واهتمامه، فحفظه وحفظ الصحابة الكرام من بعده، وتوالى على حفظه أجيال بعد أجيال، كما توالت العناية به، متخذة أشكالاً مختلفة، فتارة ترجع إلى لفظه وأدائه، وأخرى إلى أسلوبه وإعجازه، وثالثة إلى كتابته ورسمه، ورابعة إلى تفسيره وشرحه.. إلى غير ذلك، وأفرد العلماء كل ناحية من هذه النواحي بالبحث والتأليف، ووضعوا من أجلها العلوم، ودونوا الكتب، وتباروا في هذا الميدان الواسع أشواطاً بعيدة، حتى زخرت المكتبة الإسلامية بمصنفات من آثار سلفنا الصالح، وعلمائنا الأعلام.
وهكذا أصبح بين أيدينا الآن مصنفات متنوعة، وموسوعات قيمة (مناهل العرفان 1-12)، حتى جاء عهد الحاسوب، ومن أهم سمات هذا العصر التطور الهائل الذي أحدثه هذا الحاسوب في شتى المجالات، بل نستطيع القول إن استخدامات الحاسب الآلي المعاصرة أصبحت معياراً من المعايير المعتبرة لقياس مدى تقدم الأمم وازدهارها وذلك لما يحققه الحاسوب من مزايا الدقة، والسرعة، والإتقان.
واليوم نرى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ممثلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة الطيبة، يقيم ندوة عن (القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة) هدفه الوقوف على آخر ما أنتجته اليد البشرية من جديد خدمة لكتاب الله تعالى، وهذا غيض من فيض.. أسأل الله العظيم أن يوفق القائمين على هذا الصرح الشامخ، وأن يجزي الجميع خير الجزاء.. إنه سميع مجيب.
* أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالأحساء