بالتأكيد العاطلون عن العمل لا يشبهون الماسات المشعة، ولا الفوانيس المشتعلة، ولا هامات النخيل العالية، ولا الأشجار المثمرة، ولا الغيوم الحبلى بالمطر، ولا ألوان قوس قزح الجميلة، ولا الفراشات الملونة، ولا رذاذ العطر الحالم، ولا الوردة الحمراء، ولا جذور الأشجار العظيمة، ولا كولومبوس، ولا أرخميدس، ولا ماجلان، ولا أدونيس، ولا بل، ولا شكسبير، ولا زرياب، ولا الأخوين راي، ولا عباس بن فرناس، ولا الفاتحين العرب، ولا المستكشفين، ولا المخترعين، ولا اليابانيين ولا الكوريين ولا الماليزيين، ولا الإسكيميين، ولا حتى زرقاء اليمامة، أو المتنبي؛ لأنهم لا يعرفون الطريق المؤدي إلى مورد الماء، ولا الاتجاهات المؤدية إلى مصاب الأنهار والينابيع، ولا مواقد الخبز، ولا يعرفون كيف هي رائحة العشب المبلل بالندى، ليس لهم أضواء، وهم غير قادرين على خزن الرؤى والأفكار والوعي والخيال، لهم سبات طويل، وعقول مثقوبة، وهمم خاوية، وأحلام صغيرة واهنة منسوجة بخيالات غير واردة وغير واقعية، يعيشون بين الأعالي وعمق الظلام، لهم رغبة وليس لهم عطاء أو حراك، اعتادوا مؤاخاة الكسل، الكسل الذي صاغ لهم رؤى مهولة بلا خرزات ملونة وبلا ضوء، مليئون هم بالشجن واليافطات والكثير من الأماني المتراصة مثل فصيل عسكري خامل، لهم شموع مطفأة، وليس لهم حقول قمح أو مزارع عنب، يجيدون الدوار والتشرد والهيام والصعلكة، وهم غير موغلين في رحلة البحث والتقصي عن مورد رزق، أو نافذة عمل، يستلقون على سرر بالية بأرواح صاخبة بالملل والضجر، تعلوهم ندب بنية حالكة، يثرثرون بمعزوفات يومية متشابهة، يجعلون الآخرين والظروف شماعات يعلقون عليها كسلهم ومقتهم للعمل. تلك هلوسة معلقة في قرارة أنفسهم، خزنوها وكتموها ليطلقوها دخاناً رمادياً يبيد الأزهار والأعشاب الجميلة، لا يطرقون رؤوسهم خجلاً من القعود، ولا تتوقد عندهم الأسئلة، ولا تتزاحم لديهم حرفة العمل النقي الشريف والبحث عنه حتى ولو في الأحراش المتشابكة أو في البيد البعيدة أو فوق حبات الرمال الحارقة، أو في اجتياز حدود المدينة الكبيرة إلى القرى النائية.
إنهم يخافون المسافات وتتزاحم عندهم علامات الأنين، مصابون هم بالغثيان والتجشؤ ويخافون معانقة الأحلام الكبيرة، لهم طمث مخيف ينساب إلى مجرى الماء، يقفون على الشاطئ مثل طفل صغير يرمق البواخر العملاقة الساكنة والعابرة التي تتهيأ للرحيل، لهم غرابة مثل غرابة أساطير العجائز المحكية، لديهم عتمة وبعثرة وارتعاشات وشرود وليس لهم إضاءات، أو هواجس جوهرية عميقة تتمثل في الرغبة والطموح، ليس لديهم من الأحلام سوى الريبة المعلقة على بوصلة ضالتهم وأرضهم اليابسة نتيجة سنواتهم الطويلة العجاف، لا ينامون بهدوء، ولهم أصوات مهدلة، يجترون مساراتهم نحو الأفلاك الهائمة، ليس لهم أبراج ولا عواصف ولا بحر عتيد، سوى أصوات هرستها آفة وقتهم المطفأ بالوهن حيث هم يشبهون المعاول التي ليست للبناء. إنهم مجرد سراب ماء ودوامة ريح بلا اتجاه.
إن على العاطلين الذين هانوا واستكانوا وتلذذوا وتنعموا ورضوا بالقعود أن ينفضوا عنهم غبار الكسل والوهن والاسترخاء والأحلام الوردية الواهية، وعليهم أن يركبوا مطاياهم ولا ينيخوها، وأن يلحقوا بالسبق وإن طال، وعليهم ألا يكونوا كالرجال الرماديين أو خياليين، وعليهم أن يكونوا قادرين على البقاء والبناء والعطاء والتمدد، وعليهم أن يحركوا عظامهم التي أصابها الكساح المخيف حتى يضعوا لهم بصمة مؤثرة في مرايا الآخرين والحياة.
ramadan.alanazi@aliaf.com