تعتبر تجربة السعودية في محاربة الإرهاب، ومحاصرة منابعه الفكرية والمالية تجربة ناجحة بكل المقاييس. أثبتت جدواها، وسجلت نجاحا كبيرا على جميع الأصعدة - قولا وعملا -، بعد أن مر العالم بأزمة تمثلت في انتشار الإرهاب على الصعيدين - المحلي والدولي -.
وقد أكد تقرير حكومي أمريكي استغرق عاما في إعداده، أن المجهودات التي بذلتها السعودية، أسفرت عن الإخلال بنشاط تنظيم (القاعدة) داخل الأراضي السعودية. ولاحظوا التقدم الكبير الذي أحرزته مساعي المملكة لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، وذلك من خلال: تعزيز وتطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإرهابية. وتحديث وتطوير أجهزة الأمن، وجميع الأجهزة الأخرى المعنية بمكافحة الإرهاب. وتكثيف برامج التأهيل والتدريب لرجال الأمن والشرطة. وإنشاء قناة اتصال مفتوحة بين وزارة الداخلية ومؤسسة النقد العربي السعودي، لتسهيل سبل التعاون والاتصال لأغراض مكافحة عمليات تمويل الإرهاب.
كما أكدت دراسات عدة أن اللافت في التجربة السعودية: أن النجاح الكبير الذي حققته لا يعود إلى اتباع المملكة نهجا أمنيا صارما في التعامل مع الإرهابيين بالعقوبات وفرض الجزاءات فقط، بل يعود ذلك النجاح - في جانب كبير منه - إلى الاستراتيجية التي انتهجتها المملكة، التي تتعامل مع الإرهاب من منطلق رؤية شمولية، تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للظاهرة الإرهابية.
من ذلك: ما أصدرته مؤسسة (كارينيجي) إحدى مؤسسات السلام الدولي، من دراسة مفصلة تناولت الاستراتيجية (الناعمة) - حسب وصفها لها - التي اتبعتها الحكومة السعودية لمكافحة الإرهاب، وكانت الدراسة حصيلة حلقة نقاش تحدث فيها كل من (كريستوفر بوشيك) من المعهد الملكي للدفاع والدراسات الأمنية في لندن، و(ديل ديلي) منسق مكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية، وباحثون من (مركز كارينيجي). وقدمت الدراسة شرحاً مفصلاً للاستراتيجية السعودية التي تقوم على منهج إرشادي وتربوي وديني، تؤدي في نهاية المطاف إلى توبة الأشخاص الذين كانوا يحملون فكراً منحرفاً، بعدما تبين لهم من خلال الحوار، وأسلوب الإقناع، خطأ الأفكار التي كانوا يعتقدونها. كما قدمت الدراسة أمثلة على دول استفادت من الاستراتيجية السعودية، ومنها: الجزائر ومصر والأردن واليمن وسنغافورة. وسلط - الباحث - الضوء على جهود المسؤولين في وزارة الداخلية، وعلى رأسهم الأمير نايف بن عبد العزيز، ومساعده للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف اللذان نجحا في جعل تلك الاستراتيجية نموذجاً، تستلهم منه الدول الأسلوب الناجع في محاربة الإرهاب.
وقال بوشيك: عقب موجة من الهجمات الإرهابية المميتة التي بدأت في العام 2003، أطلقت السعودية حملة واسعة لمكافحة الإرهاب، مثّل استخدام الإجراءات غير التقليدية (الليّنة) الهادفة إلى محاربة التبريرات الفكرية والأيديولوجية للتطرف جانباً أساسياً في الجهود السعودية، فيما يتمثل الهدف الرئيس لهذه الاستراتيجية في منازلة ومحاربة أيديولوجيا، تستند إلى تفسيرات فاسدة ومنحرفة للإسلام. وأضاف: تتكون الاستراتيجية السعودية من ثلاثة برامج مترابطة، تهدف إلى: الوقاية، وإعادة التأهيل، وتوفير النقاهة بعد الإفراج عن المعتقلين. ومع أنه لم يمض على تطبيقها سوى أربعة أعوام، فقد أسفرت الاستراتيجية السعودية - ولا سيما - برنامجي: إعادة التأهيل ومكافحة التطرف، عن نتائج إيجابية ومثيرة جداً، إذ لا تزال معدلات العودة إلى الإجرام وإعادة الاعتقال، منخفضة إلى حد كبير إلى اليوم، ولا تتجاوز نسبة (1- 2 %) تقريباً. وقال: كما تزداد شعبية برامج مشابهة تهدف إلى فك ارتباط المتشددين وأنصارهم بالتطرف، حيث يتبنى عدد من البلدان برامج مكافحة إرهاب مشابهة. وقد وضعت كل من الجزائر ومصر والأردن واليمن وسنغافورة وإندونيسيا وماليزيا برامج إعادة تأهيل وتفاعل، وقام الجيش الأمريكي بالأمر نفسه في العراق من خلال برنامج TASKFORCE134).)
هذه الجهود التي تبذلها السعودية لمكافحة الإرهاب الذي يستهدف ترويع الآمنين، وسفك دماء الأبرياء، وتدمير المنشآت الحيوية، واستنزاف خيرات البلد وهدر ثرواتها، أدى إلى نجاح استراتيجيتها في التصدي للإرهابيين في المجالين - الأمني والفكري -، عن طريق تفكيك الخلايا الإرهابية، والقضاء على رؤوس الشر، وقطع التمويل المالي لتلك الخلايا، واستباق الأعمال الإجرامية التي ستقضي - بإذن الله - على كل العوامل التي تغذي هذا الفكر المنحرف، وتدفع نحو انتشاره، عن طريق حرث الأرض الفكرية المنغلقة للتطرف، وإعادة تقييمها من جديد، بما يتوافق مع وسطية الإسلام، وسماحته، ودعوته إلى التسامح والتعاون والحوار.
drsasq@gmail.com