كلما أردت البكاء يصيح أبي في وجهي
- صه.. الرجال لا يبكون..
كتمت بكائي ومرارا أردت البكاء عندما لا يكون أبي موجودا في المنزل فتصرخ بي أمي:
- صه.. أنت رجل والرجال لا يبكون.
فأجبت مبرراً كما كان يقول لي أبي: البكاء للضعفاء ووحدهن النساء هن الضعيفات.
كنت أغبطهن وتمنيت لو أن الله خلقني امرأة.
رأيت أبي ذات ليلة مقمرة يجلس وحيدا فسألته: هل القمر يبكي يا أبي؟
أجابني بنبرة معلم: القمر لا يبكي.
رددت بنبرة التلميذ الذي فهم درس معلمه إذاً القمر رجل أليس كذلك!
أحسست أني بدوت رجلاً في عيني أبي فأمي وحدها تبكي وأختي وكل النساء كأنه كان يتعلم منه أشياء أو يبوح له بشيء.
كبرت ولم أبك قط، سوى أختي التي كانت تبكي فرحا وحزنا وعنادا لتستحوذ على أشياء تريدها.
سألت أختي في يوم زفافها: لم البكاء!
أجابتني: نبكي عندما تستيقظ أوجاعنا. نبكي عندما تولد أفر احنا، نبكي لنحيا من جديد.
أذهلتني فلسفتها للبكاء، قلت لها: من علمك كل هذا؟
أجابتني وهي تبكي: البكاء..
نظرت إليها، قلت لها: أريد أن أبكي.. نظرت إلي نظرة استصغار قائلة:
- الرجال لا يبكون.
قلت في نفسي لعلها ستأتي فرصة أبكي فيها وتذكرت أنه سيموت أبي وأمي وسأبكي بالتأكيد.
تزوجت، ولدت زوجتي ولدا خرج يبكي.
صرخت في وجهه
- صه.. الرجال لا يبكون.
صمت ولم يبك
ماتت أمي، بكت أختي وكل النساء، أتت الفرصة التي ستمنحني البكاء.. جاء المعزون فقالوا لي ولأبي:
- الرجال لا يبكون.
كبر ابني ولم يبك قط وسألني ذات مرة ونحن ننظر إلى القمر:
- هل القمر يبكي يا أبي!
أجبته: القمر لا يبكي.. القمر يبتسم دائماً.
رد علي: إذاً القمر رجل: أليس كذلك؟
مات أبي.. بكت زوجتي وأختي وكل النساء
أتت الفرصة التي سأبكي فيها
أتى المعزون فقالوا لي ولابني: (الرجال لا يبكون)
لكنني لم أستطع أن أمنع دموعي أو أمنع بكائي المترسب طويلا في أوردة الروح، احمرت عيناي، بدأت الدموع تتهيأ لمغادرة عيناي، بدأ بكائي يتسلل بحياء نحو الخارج، كان ابني يتأملني ليصرخ في وجهي:
- صه.. الرجال لا يبكون يا أبي.