هنالك قاضٍ جليل في (المويه) وقاضٍ جليل آخر في (صامطة) دأبا في الآونة الأخيرة على اعتماد الجزاء (البديل) في أحكامهما، ونعني بذلك عقاب المتهم بالأعمال المفيدة بدلاً من مكوثه في السجن (عطال بطال) (شارب ماكل) على حساب الدولة إلى أن ينتهي حكمه وليخرج من السجن بكرش كبير، وكأنه كان في إجازة نقاهة ليس الا، أما بالنسبة لقاضي المويه فقد أصدر يوماً حكماً على أحد أصحاب الجنح أن يقوم بتنظيف المساجد في المنطقة، أما قاضي صامطة فقد أصدر حكماً على (مدمن) ان يعزل في مكان بعيد عن أهله ويخضع للعلاج إلى أن يقلع تماماً عن تعاطي المخدرات ويتحسن سلوكه العام.
|
|
والقاضيان الفاضلان لم يأتيا بأحكامهما من فراغ وذلك لأنهما مقتنعان بأن السجن يعني إصلاح الفرد لاتعطيله وهذه الطريقة متبعة في العديد من بلدان العالم (المتحضر) إذ يستفاد من السجناء بتعبيد الطرق وبناء المنشآت الوطنية وتعليمهم المهن المفيدة كالحدادة والنجارة والصناعة والفن بمختلف أنواعه ليخرج السجين (مبدعاً) لا عاطلاً يشكل عبئاً جديداً على مجتمعه وأهله بل يشمر عن ساعديه ليعمل بشرف ويفيد نفسه أولاً ومجتمعه ثانياً.
|
أما بالنسبة للحكم البديل في الإسلام فقد طبقه الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز على (تليد الضبي) - الصعلوك الذي كان لصاً خارباً أزعج الناس بجناياته، وحينما تعددت الشكايات بحقه وقبض عليه الجند قال للخليفة مرتجلاً:-
|
(ولو أن بعض الناس يفقد أمه |
لقيل احتواها في الرحال تليد) |
ولما عرف عن عمر من العدل والرأفة فلم يقم الحد عليه بل أمره أن يبني مسجداً بجهده الشخصي كعقاب بديل، وبذلك قال تليد:
|
تبدلت من سوق الأباعر في الضحى |
ومن قنص الغزلان بني المساجد |
وبعد ذلك تاب تليد وحسن إسلامه وعاد إلى جادة الصواب وقال عن هذا الحال:
|
ألاقل لأرباب المخائض اهملوا |
فقد تاب مما تعلمون تليد |
وأن امرأ ينجو من النار بعدما |
تزود من أعمالها لسعيد |
|
وكذلك الأمر بالنسبة للصعلوك الفاتك الآخر مالك بن الريب الذي كان يقطع الطريق على قوافل الدولة الأموية بين مكة والشام الى ان استتابه سعيد بن عثمان بن عفان وأرسله على رأس جيش في البعوث الى خرسان لفتح سمر قند وبخارى وقال بذلك في مطلع مرثيته الشهيرة لنفسه:
|
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى |
وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا |
|
يبقى القول أخيراً: تحية للقاضيين الجليلين وأكثر الله من أمثالهما وأمثال كل من أراد الصلاح والإصلاح في عهد مليكنا الصالح خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.
|
|