Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/10/2009 G Issue 13531
الخميس 26 شوال 1430   العدد  13531
قراءة في أثر
(مطر بنكهة الليمون)
لمياء السويلم

 

ربما كان الأغلب من التجارب الشعرية في السعودية يغرق في متاهات ومجاهيل الهذيان أو المونولوج في حالة الإتقان، مكرسة في ذلك بعدها عن الشرط الإنساني بفلسفته الانفتاحية على عوالم خارج إناه، تجارب تعطي صورة عن أحد الوجوه التي تلازم النزعة النصية وهي العدمية التي ترى أن قيمة العمل الأدبي داخله، وأنه لا ضرورة أن تقاس بخارجه أو أن يقاس خارجه به كما يلخصها فيصل دراج عن قراءته لكتاب تودوروف (الأدب في خطر).

ولعل أصحاب التجارب يدركون قبل النقاد سبب العزوف عن قراءتهم من القراء، وإن صنفو على الفئة (العادية) ويعرفون كيف استكانوا في كهوف الفراغ إلا من معنى وحيد وأوحد لا يبلغه إلا الشاعر ومتلق يروقه الوهم والإسقاط من هذا وذاك بدت المفاجأة مع أشجان الهندي حيث يستعيد القارئ قيمة قراءته لا بأن يجد من ذاته في شعرها بل مجرد أن يتمكن من بلوغ معناها، فالقارئ الذي اصطدم بمجموعة من التجارب الشعرية هنا ما أكفاه عن رغبة البحث عن الجديد أو فيه طالما هو لن يبلغ منه لا موضوعا ولا صورة ولا معنى، سيدرك هو في الديوان الثاني لها (مطر بنكهة الليمون) مبتغاه البسيط (الموضوع) وموسيقى يعرفها هي الشعر، سيبدأ الديوان ويفهم وجع الاستعارة حين لا تتجاوز حرفي التعريف (آل-حسين) لإرث الحزن الأكبر في التاريخ تنعي باسمه الاسم الأهم في حياتها أخيها الراحل حسين، ديوان لا يترك فرصة للتأويل ولا فك الرموز، مباشر القصد والانفعال لا النظم، مجتمع الشاعرة يشكل أرض القصيدة لا سقفها، فهي تجلس إلى نفسها وإن هي تعرفها، تحاول أن توجد من عوالم أنثوية وتأملات إنسانية حكمتها الخاصة، دون أن نقرأ في أسطرها تعقيدات الفكرة، ربما سيمضي الديوان بين يدي القارئ دون أي دهشة، لكن انطباعا يأخذ مكانا أعلى فيه بأنه قد مضى على شعر (وحدثهم بعضُهم قال:/ ترجع سنبلةٌ القمح ِ/ حين يهشّ المساءُ/ ويطفو على الزبدِ الوردُ/ ترجعُ؟/ والريحُ تشتدُ؟/ ترجعُ؟؟/ البحرُ يقوى، على الكيدِ/ على الجزرٍ يقوى، على المدِ/ البحرُ غولٌ على القاع ِ/ آنسَ أعماقَهُ، / فارتعش/ صباحٌ على معصم الحالمين، / على الصخرِ- بالموج ِ- يوما ً نقشْ/ تجود البحارُ متى جادت الأرضُ/ يُروى بها من تغلغل في الجوع ِ/ محتفيًا باندلاع ِالعطشْ) لعل (دوار) هي ذروة هذا الديوان تصويرا وموسيقى، قصيدة تقدم نموذجا بلغ النصاب في الإبداع الشعري، وأشجان التي تخطر لها القضايا كما في (لوحة عباد الشمس)عن الحق الفلسطيني الإسرائيلي، ستسخر من رهان الغواية والبراءة بين نوايا المرأة والرجل في (ذئاب)، ستعرج على الخيانة والغدر وأصناف النساء وشح الخيارات في الأصدقاء، ستعاود في (نقاد) رأيها في النقد بعد أن انتهت من مخاطبة القصيبي بقناعتها عنهم في (مماثلة) وهي مخاطبة بألفة المهاتفة وود لغتها، أم عن مستوى التركيب فإن تحريك ترتيب الصور أكثر من ابتكار جديدها، والتشبيه يسجل حضورا أعلى وأكثف في انحسار الترميز (شبك الفل مهجته في ضفيرتها) (نازعها الورد باقة ضحكتها) (أدخل عتمة تصوير/ ألتقط وجها لصورتي) (حين يصير التراب رغيفا من جوع/ حين تدور الرحى في البطون) (أأنت من يتبعني؟/ أسمع قلبا/ وقعه يعرفني)، نفسها الشعري واثق حد أن يخلص إلى بضع كلمات كما لو كان بطاقة بريد كما في قصيدة (وصية) أو أن ينتظر حتى يبلغ المعنى في القلب مراده كما في (فاطمة)، وإن كان عنوان الكتاب - مطر بنكهة الليمون- ليس إلا إعلانا أولا عن طريقة الشاعرة في اعتماد الحواس أداة رئيسة في تعبيرها الحسي، فإن النهاية في القصائد تتقولب في الإجابة، الحكمة الخاصة، وإعادة استفهام النص الأساسي، هو ديوان شعر تظن أن وراءه من لم تقرأ عن صخب التنظير ودراسات الشكل أو مدارس التأويل ذلك أن شعرها ينزل من القارئ في مساحات الفطرة والبداهة الشعرية بقيمتها الحقيقية، شاعرة لا تبحث عن إعلان موقف أو رفع مبدأ (لست ضد النظام/ لكنني/ لا أجيد مجاهدة النفس/ كي لا تبعثر أسرارها) في قصيدة (فوضى) التي ربما بقرنها على(قصيدة عابرون ونافذة) تجرب ثوب الرمزية بدون هوس الأناقة، فهل خالفت أشجان الهندي في ديوانها الثاني المجموعة الغالبة في الساحة الشعرية؟ ربما فعلت وخالفت الذاتية المغلقة لكن الأكيد أنها بررت بقناعتها أنها شاعرة بديوان واحد، قبل أن تلد (مطر بنكهة الليمون)عن النادي الأدبي بالرياض 2007م.



Lamia.swm@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد