لعل القارئ الكريم يجد فيما أكتبه من ذكريات متعة وفائدة عن إخوان، بحكم الزمالة وبحكم الأخوة، كانت لي معهم ذكريات جميلة ومتنوعة وفيها من الطرافة، ولعلّ فيها من الفائدة ما يستحق الكتابة عنها لإطاراتها الزمنية والمكانية.
تلكم السوانح من الذكريات، مستعيراً المصطلح من الشيخ حمد الجاسر رحمه الله، متنوعة بتنوع ظروفها الزمنية والمكانية، لن أذكر الزمان تحديداً، ولكن مع ذكر الأشخاص، أترك للقارئ الكريم أن يستنتج إطاراتها الزمنية ما أمكنه ذلك، وسيظل الاهتمام منصباً على مدلولاتها ومضامينها والحقبة الزمنية العامة لها.
جامعة الملك سعود، التي ترتع في أراضيها الرحبة احتفلت بمرور 25 عاماً على إنشائها، كان افتتاحها في عام 1377هـ، ثم من ثلاث سنوات فقط احتفلت بمرور 50 عاماً على إنشائها، وخلال سنتين بعد أن تقلد السلطة الإدارية، مديرها الدكتور عبدالله العثمان، دخلت في حقبة جديدة من الإنشاء والتعمير والتطوير، سأعود إلى ذلك لاحقاً. هنالك نقطة تحول في تاريخها ألا وهي انتقالها إلى مقرها الجديد في الدرعية، أو في منطقة أقرب إلى عرقة منها إلى الدرعية، وأذكر في حفل بهي، في مقرها الجديد، كان سمو أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز على رأس مائدة طعام أعدتها الجامعة يتحدث عن الزمان والمكان بأسلوب جذاب وممتع، تركنا أطباق الأكل الشهية التي أمامنا وأنصتنا إلى حديثه الشيق عن أرض الجامعة وعن الرياض وعرقه والدرعية و(المغرزات)، الفاصلة بين الرياض ومقر الجامعة الحالي. وقبل ذلك شرف الملك خالد بن عبد العزيز، رحمه الله حفلاً بهيجاً، أعد بمناسبة مرور ربع قرن على افتتاح الجامعة في مقرها القديم في الملز، كان ذلك عام 1402هـ، كنت وقتها عميداً لكلية الآداب ومشرفاً على صحيفة رسالة الجامعة، وأثناء الحفل، وبناءً على أمر من الملك، أعلن وزير التعليم العالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ إعادة اسم الجامعة السابق: جامعة الملك سعود، بدلاً من جامعة الرياض، وأسرعنا إلى تعديل (ترويسة) صحيفة رسالة الجامعة لتناسب ما أمر به، ثم تفضل الملك خالد بافتتاح مستشفى الملك خالد الجامعي في المناسبة ذاتها.
مشروع الحرم الجامعي يعتبر نجاحاً مميزاً في حد ذاته وأنجز في فترة إدارة الدكتور منصور التركي، وكان الانتقال من الملز إلى المقر الجديد يعتبر تحدياً آخر للجامعة، ولكنه مر بنجاح يسجل لإدارة الدكتور التركي المتميزة وتعاون الكليات في ذلك، وتحقق في صيف 1405هـ وانتظمت الدراسة في المقر الجديد في الفصل الأول للعام المذكور. وقبل انتقال الكليات نقلت إدارة الجامعة إلى مقر مؤقت في الحرم الجامعي الجديد، الذي كان في طور الإنشاء، وكانت جلسات مجلس الجامعة تعقد مساء في ذلكم المقر، قبل أن تنتظم الطرق الموصلة له من الرياض. أما الأنظمة واللوائح فكانت هي الأخرى في طور التحوير والتطوير، خاصة ما يتعلق باللوائح المنظمة لحقوق وواجبات الهيئة التدريسية في الجامعة، ومن ذلك السكن لأعضاء هيئة التدريس وكذلك ما يخص سياسات وإجراءات قبول الطلاب والطالبات فيها.
من الزملاء الذين استمتعت بالعمل معهم الدكتور عبدالله السيف، الذي كان وكيلاً لكلية الآداب، وكان مخضرماً فيها: عاش فترة الملز وبعد انتقالها إلى الدرعية، رئيساً للجنة نقل كلية الآداب إلى مقرها الجديد. وله مقولة طريفة أرويها كلما سنحت الفرصة، يقول: لابد من تحوير المثل المعروف (سبق السيف العذل)، ليكون: (سبق العذل السيف)، حيث كان يتربع على كرسي وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي حينذاك: الدكتور صالح العذل.
شهدت تلكم الفترة، أو تلكم الحقبة، ازدهار حفريات الفاو، لآثار ما قبل الإسلام وآثار الربذة الإسلامية، وكان على رأس دفتها الأستاذ في علم الآثار ورئيس قسم الآثار والمتاحف بالجامعة الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري، الذي ينظم بين الفينة والأخرى زيارات لتلكم المواقع الآثارية، داعياً مدير الجامعة بصحبة بعض العمداء وأعضاء هيئة التدريس، صحيح أن الجامعة تعيش عصراً مزدهراً في أيامنا هذه، إلا أنها عاشت عصراً ذهبياً خلال سنيها الماضية. والشيء بالشيء يذكر ليعي المجتمع أن الصروح العلمية من جامعات ومراكز علمية تخرج النخبة ممن يصدع بالحق ويعرض عن الجاهلين، الذين يهذون، في أيامنا هذه، بما لا يعلمون ويحاولون النيل من النجوم العوالي مثلهم مثل من يتمرغ في يباب من البلبلة والسفاهة، فأنى له أن يحقق بغيته، وللحديث بقية إن شاء الله.