يشكو البعض من أن منبر الرأي المحلي في الإعلام قد استحوذ عليه توجه أو تيار معين، وهذا بالطبع ظاهرة سلبية تتقاطع مع جميع الأهداف والرؤى التي يقوم عليها إعلام مهني حر وموضوعي، لذا إذا شكا تيار معين من غياب، أو تحديداً تغييب صوته فيجب علينا جميعاً أن نهب لنطالب بفتح النوافذ، بل وإشراع الأبواب لجميع الأطراف والأصوات شرط الالتزام بوثيقة قيم ومبادئ الواجب المهني.
نؤمن بحرية الرأي وأسقف الحوار المرتفعة، وللجميع أن يوظف حباله الصوتية حتى آخر نغمة قرار يصلها، شرط بعد أن ينهي وصلته أن يلملم أدواته ويغلق حقيبته وأوراقه، ويضع عنه (الميكرفون) بلطف وهدوء ويغادر، لأنه وقتها سيظل رأيه في المجال المدني المقبول متماشياً مع كل الأنظمة المتحضرة المستوعبة لجميع الأطراف.. وبشرط أن يدخل الميدان خالياً إلا من حجته وأوراقه ودماغه ولسانه فقط.
سيقبله المكان شرط ألا يعسف معاني الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة كي يصرع بها خصومه من ناحية، وكي يستأثر بالتأييد الشعبي من عموم البسطاء من ناحية أخرى، ومن ثم ينفرد بصك الحقيقة الكاملة، كناقل أو وكيل للحقيقة دون العالمين، في ظل محيط مسلم... يرفض ولاية الفقية!
له الحق أن يُعبِّر عن تمام رأيه عبر المنابر المتاحة له شرط أن يتنحى عن المنبر ليلة خطيب قد يختلف بآرائه تماماً عن حقيقته الخاصة.
له كامل الحق في رصف ما شاء من الكلمات ما لم يكن رأيه هو مطية لتثوير العامة, وتجييشهم واستعمالهم أدوات في برامج أيدولوجية ذات فحوى سياسية أكبر من وعيهم وإدراكهم لينتهي بهم الأمر قنابل بشرية ضد أمننا ومستقبلنا.
له كامل الحرية أن يُعبِّر عن رأيه حتى منتهاه شرط أن تأخذ الأطراف جميعها نفس الحيز والتبجيل في المجلس.
له كامل الحرية في أن يُعبِّر عن رأيه ورؤيته، بحيث لا يتحوَّل كلامه ورأيه إلى فتوى تطير إلى حدود الجبال والكهوف يلتقطها صبية متحمسون لتسويغ الموت والدمار.
له كامل الفضاء المتسع ليُعبِّر عن حدود وعيه، لكن شرط أن تُمنح نفس المساحة لأقوام لا يشبهونه أو يتقاطعون مع وعيه، فلا يحاربهم حرباً سرية غير نبيلة عبر قوائم من التهم والنعوت بالعمالة والتصفية عبر الألقاب الجاهزة.
نعم أُدافع، بل أستميت في الدفاع عن حق الجميع في التعبير طالما كان الرأي مطوقاً بإطار يخدم أهدافاً سامية إنسانية ويحقق القيم التي اتفق عليها عموم البشر... الحق والخير والجمال، قد نختلف حول الأدوات أو المركبة التي توصلنا إليها ولكننا نجتمع على أن يكون الإحسان والتحضر والمدنية والمستقبل هي محطة الوصول.
نعم أنا على يقين بحق الآخر في التعبير عن رأيه حتى أقصاه طالما كان قاموسه اللغوي مستمداً من الخلق النبوي ليناً حسناً عفيفاً شريفاً مترفعاً عن السباب والفحش ووصلات التنابز السوقي التي نقرأها في بعض المواقع الإلكترونية.
لِمَ أنت منزعج وهل هناك أمر يتقاطع مع وعيك؟
إنها المسؤولية العظمى... مسؤولية الكلمة.