تساءلت الزميلة ريما صالحة في برنامجها (صناعة الموت) الذي يُعرض على شاشة (العربية) عن مصادر تمويل الحوثيين في اليمن على الرغم من الحصار الشديد الذي يعزلهم عن العالم الخارجي!. الحقيقة أن تمويل الجماعات الإرهابية الرئيس، في الغالب، يسبق وقت تنفيذ العمليات الميدانية، خاصة العمليات العسكرية الموجهة ضد الحكومات النظامية، كما يحدث في اليمن حالياً، أو كما حدث في لبنان على سبيل المثال. وهناك حالات خاصة يمكن لعمليات التمويل أن تتواصل وقت تنفيذ العمليات شريطة وجود أطراف دولية نافذة مسيطرة على الحدود أو الأجواء تتولى عملية الدعم والمساندة وتهريب الأموال والسلاح من خلال مجموعات استخباراتية متخصصة، أو أن تستغل الجماعات الإرهابية الحدود البرية والبحرية لتحقيق أهدافها بالتعاون مع مهربي المخدرات، وهو الأسلوب الذي يُتقنه تنظيم القاعدة وحلفاؤهم الحوثيون في اليمن.
تقوم الجماعات الإرهابية في الغالب بتخزين السلاح والأموال النقدية في الأوقات الطبيعية لتجنب إثارة الشبهات. تخزين الأسلحة يحتاج دائما إلى قدرات تهريبية فائقة، إلا أن تدفقات الأموال يمكن تمريرها بسهولة تحت غطاء المساعدات الإنسانية، أو المشروعات الاستثمارية، أو من خلال السفارات. تضطر السلطات الرسمية في الظروف الطبيعية إلى غض الطرف عن بعض التدفقات النقدية الموجهة للجماعات الحزبية خشية اتهامها بالعدائية، وهو الخطأ الكبير الذي تقع فيه كثير من حكومات المنطقة، فالتعامل السريع مع كل ما يثير الشبهات هو خط الدفاع الأول في مواجهة العمليات الإرهابية المتوقعة.
ما يحدث حاليا في (صعدة) والمناطق الحدودية مع السعودية أمر لا يمكن فصله عن تنظيم القاعدة وإيران، وإن بدا على أنه أمر خاص بالحوثيين ولا أحد سواهم. هناك علاقة تمويلية عسكرية بين تنظيم القاعدة والحوثيين في اليمن، وهو ما كشف عنه (محمد العوفي) أحد القادة الميدانيين لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بعد فراره من التنظيم، ثم تأكد من خلال العمليات العسكرية الأخيرة في (صعدة) التي كشفت عن مقتل اثنين من عناصر تنظيم القاعدة وهما محمد الراشد وفهد الجطيلي.
بمعرفة مثلث الشر القابع على بُعد كيلومترات قليلة من الحدود السعودية يمكن التعرف بسهولة على أساليب التمويل المستخدمة لدعم الجماعات الإرهابية في اليمن. نجحت إيران، خلال السنوات الثلاث الماضية، في إغراق الجماعات الإرهابية بالأموال (النظيفة)، ومنها أموال (الخمس) التي يُفترض أن توجه للفقراء. استغلت الجماعات الإرهابية تلك الأموال لشراء السلاح، من السوق المحلية المزدهرة، وتكديسه في مناطق نفوذهم المتاخمة للحدود السعودية، ونشطت الجماعات الموالية للحوثيين في فتح المؤسسات الاستثمارية التي باتت تحقق موردا ثابتا للجماعات الإرهابية في اليمن. كشف السلطات اليمنية عن مخازن أسلحة إيرانية الصنع، ووجود أعضاء من الجيش الجمهوري الإيراني في المناطق القتالية، يؤكد الحضور الإيراني القوي في صعدة، والأهداف الصفوية الاستراتيجية في المنطقة. محمد العوفي أكد أيضا أن أفراداً من الحوثيين عرضوا على أفراد القاعدة أموالاً ضخمة بالتنسيق مع دولة أجنبية، وهي في الغالب (إيران). أصبحت علاقة تنظيم القاعدة بالحوثيين علاقة وثيقة بعد تقاطع أهداف المصالح بينهما، وتعدت تلك العلاقة مراحلها الأولى إلى مراحل أكثر خطورة تعتمد في مدخلاتها على الدعم المالي، العسكري، القيادي والتخطيط الاستراتيجي المستقبلي، والتوجيه المشترك من قبل الاستخبارات الأجنبية. تلك العلاقة لم تكن لتحدث لولا التنسيق الإيراني في المنطقة الذي بات يتحكم في تنظيم القاعدة والحوثيين من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة، والتواجد المكثف بالقرب من الحدود السعودية.
أجزم بأن تلك التطورات الخطرة ما كانت لتحدث لولا وجود الأموال الإيرانية التي ما زالت حتى الآن تتدفق على تنظيم القاعدة والحوثيين في اليمن بأساليب مختلفة، أهمها أسلوب التهريب الذي تقوم به جماعات تهريب المخدرات النشطة على السواحل الإيرانية. لا يمكن لقطع الأسطول الإيراني المتواجد في المنطقة المغامرة بتهريب المال والسلاح، إلا أن تهريب المال والسلاح عادة ما يتم من خلال قطع السفن التقليدية التي تمارس في العلن، مهمة نقل البضائع أو الصيد، وتنطلق من السواحل الإيرانية أو ربما من بعض السواحل العربية المطلة على بحر العرب. إضافة إلى ذلك فالسفارات الإيرانية عادة ما يكون لها دور فاعل في إيصال المبالغ النقدية الضخمة للجماعات الموالية، والشواهد كثيرة في هذا الجانب. هناك أيضا عملية المقاصة المالية التي يتقنها أفراد الاستخبارات الصفوية، وتقوم على مبدأ توفير المال نقدا من المتعاونين محليا، وتعويضهم بأموال مضاعفة تودع في حساباتهم الخارجية. هذه العملية تضمن التدفقات المالية من الداخل بعيدا عن إثارة الشبهات. هناك أيضا أموال الجماعات المتعاطفة مع الإرهابيين التي ما زالت تجد طريقها عبر الحدود، ومن مناطقهم المحيطة بكل يُسر وسهولة. شبكة المهربين المتعاونة مع الجماعات الإرهابية قادرة على المرور والتخفي في المناطق الوعرة، وبوجود السواحل الطويلة، والحدود البرية المفتوحة لن يجد المهربون الباحثون عن المكافآت المجزية، عناء يُذكر في توصيل المال والسلاح إلى الجماعات الإرهابية في اليمن (الحزين).
هزيمة القاعدة والمتمردين في اليمن تحتاج إلى إحكام السيطرة على مصادر التمويل التي تذكي نار الحرب، والفتنة، وتزيد من أوجاع اليمن، وتهدد الأمن والاستقرار في السعودية، البلد المُستَهدَف استراتيجيا من أعداء الأمة، الباحثين عن موطئ قدم على حدوده البرية.
****
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM