القضية الفلسطينية من القضايا المصيرية المعقدة التي تعلقت بالكثير الكثير من الأخطاء والعثرات والإحباطات والأخطاء القاتلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمن على مساحة كبيرة من الحركة السياسية العربية لتشلها وتعيقها، وبذلك أثقلت بكل صراحة وحق كاهل الأمة العربية واستنزفت كافة ثروات شعوبها.
العرب خاضوا الكثير من المعارك الخاسرة لحل القضية الفلسطينية على كافة الجبهات الداخلية والإقليمية والدولية، الأسباب كثيرة، والعوامل الذاتية التي ساهمت في ذلك أكثر، ومع هذا ورغماً عنه يبقى عامل الصراع الفلسطيني - الفلسطيني، ومن ثم الخلاف العربي - العربي في مقدمة عوامل الانكسار والانتكاس.. على وجه التحديد ينفرد التفكك والصراع الفلسطيني - الفلسطيني وخضوعه للتجاذبات الذاتية والإقليمية والدولية بتحمُّل مسؤوليات معظم الانكسارات والإحباطات، بل وبات يتصدر قائمة مسببات المعارك العربية الخاسرة.. ويبقى السؤال الوحيد هنا: إلى متى تتحمَّل الأمة العربية كل هذا الضيم وكل تلك الخسارات؟؟
الحقيقة التي يتخوف الكثير من قولها تؤكد أن القتال والصراع وما تمخض عنهما من عنف ودمار وتشريد وقتل وإراقة دماء بين العرب والفلسطينيين خصوصاً وبين الإسرائيليين لم يتوقف على مدى أكثر من ستين عاماً، وعلى ما يبدو أنه لن يتوقف طالما بقي المتشددون والمتطرفون يمتلكون زمام الأمور ويحركون القضية كيفما يريدون من كلا الطرفين العربي والإسرائيلي.
تلكم حقيقة ساطعة لا تقبل التحريف ولا التغيير يشعر بها الجميع وينوءون بحملها الثقيل فيما يعجزون عن الحركة الصحيحة أو التحرك الفاعل لوقف الفئات المتشددة عن المضي قدماً في تحركاتها المشبوهة برفع الكرت الأحمر في وجهها، وبالتالي وقف نزف الأمة العربية والجروح العميقة التي ألحقت بها. هؤلاء عرفوا كيف ومتى يتحركون، ومن أين يتحركون، فيما بقيت الأكثرية العربية والفلسطينية واقفة تراوح مكانها عاجزة عن الحركة حائرة في أي طريق سياسي تمضي.. وأي درب دبلوماسي تسلك؟
ولا شك أن الدول العربية التي خاضت أربعة حروب مباشرة ضد إسرائيل أنهكت ثرواتها بفعل تلك الحروب وتوقفت عجلة التنمية الاقتصادية والعلمية في مجتمعاتها، ومع هذا ورغماً عنه ما زالت رهينة لحسابات ومخططات المتشددين لتبقى حسابات الخسارة العربية متفوقة بوضوح على حسابات الربح، وتستمر بذلك حالة النزف العربي السياسي والاقتصادي.
وما إن تظهر من هنا أو هناك بادرة أمل في حل الخلاف والصراع الفلسطيني - الفلسطيني بجهود عربية أو حتى إقليمية أو دولية حتى تدق أسافين مغرضة في متون تلك الجهود لتتعثر وتفشل ويراوح الحال والوضع العربي مكانهما وكأنه لم يحدث شيء.. هذا ما نشهده منذ أكثر من عامين في جهود المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية التي بدأت في المملكة وتتواصل في مصر لتنتهي بين الطرفين من حيث بدأت.
لقد كانت الأعذار والمبررات لبقاء حالة الخلاف والصراع الفلسطيني - الفلسطيني تتصدر الجميع وتهيمن على الجميع وتفرض ذاتها بقوة رغماً عن أنف الجميع بداية من محادثات أوسلو ومدريد، مروراً بانقلاب حماس الفلسطيني على حركة فتح، وأخيراً الجدل الحالي حول تقرير جولدستون، وعلى ما يبدو بوضوح أن تلك الأعذار والمبررات ستبقى سيدة الموقف طالما بقي من يؤمن بضرورة الأخذ بها وتفعيلها بأي وسيلة كانت حتى وإن تضرر منها الشعب الفلسطيني وبالطبع الشعوب العربية.
لقد خسرنا الشيء الكثير ودفعت الشعوب العربية الثمن الأعظم للخلاف والصراع الفلسطيني، والأدهى من ذلك كله قضى ومضى جيل عربي بأكمله ولم تنتهِ وتحل القضية الفلسطينية، وها هو جيلنا، جيل عربي آخر يُوشك أن تنتهي رحلة عمره وما زالت القضية الفلسطينية باقية على ما هي عليه من غموض وتعقُّد وتشابك وتدهور بفعل قوى التشدد والتطرف والجهالة.. السؤال الذي يطرح ذاته بقوة هنا: هل تتحمَّل الأجيال القادمة أيضاً وزر ما فرض على الجيلين الماضيين؟.. تبعاً لذلك هل تبقى المنطقة برمتها والأمة العربية بكاملها رهينة للصراعات العقيمة والمصالح المغرضة والمخططات المشبوهة؟
www.almantiq.org